“لحظة” الإخوان المسلمين في المنطقة ؟
بقلم جهاد الزين
يعتقد عدد من الاصدقاء الاتراك الذين اتصلت بهم هاتفياً في الـ48 ساعة الماضية وبينهم الاكاديمي والصحافي والديبلوماسي – ان “ظهور” القياديين الرئيسيين من ” الاخوان المسلمين” السوريين في تركيا يوم السبت المنصرم وادلاءهما بتصريحات علنية لا يحملان أي “تواطؤ” ضمني من الحكومة التركية، حكومة “حزب العدالة والتنمية”، ضدّ اصدقائها في القيادة السورية وعلى رأسهم الرئيس بشار الأسد.
ومع كل أسئلتي التشكيكية لكل واحد منهم – وهم متابعون جدّيون لشؤون العالم العربي – فإن أقصى تفسير سلبي لهذا الظهور العلني الذي يحصل للمرّة الأولى قطعاً هو تشديد البروفسور والمعلّق سولي أوزيل انه كان هناك دائماً في “حزب العدالة والتنمية” جهة وثيقة الصلة بـ”حركة الاخوان المسلمين” السوريين لكن من المستبعد أن يكون حضور القياديين الاخوانيين بتحضير مباشر أو غير مباشر من زعامة “الحزب”… حتى لو كان المبرر المعلن لوجودهما في اسطنبول هو حضور مؤتمر دعت إليه منظمتان غير حكوميتين احداهما تهتم بـ”حقوق الانسان” وتعتبران قريبتين من “حزب العدالة والتنمية” (AKP). غير أن الدكتورة فولي أتاسان تطرح السؤال عن احتمال ان يكون الزائران المثيران للجدل قد جاءا بهدف توسطي… أي نوع من”وساطة” ما تتولاها قيادة AKP بسبب حرصها على الوضع السوري القائم وعلاقتها المميزة مع نظام الحكم فيه وليس العكس؟
بين هذين الحدين السلبي والايجابي تراوحت الاجابات “العفوية” للاصدقاء الاتراك الذين فوجئ بعضهم بخبر “الظهور” وطلب مهلة لسؤال آخرين ثم عاد الى الاتصال بي.
الملاحظة التي أرغب بتسليط الضوء عليها عبر سرد هذه التفاصيل هي أن هذه “العينة” التركية التي تضم متابعين مختلفي الحساسيات السياسية وإن كان لونهم الغالب علمانياً وليبرالياً وبعضهم يأتي من “حجذور” يسارية لم تمنعه من الاقتراع في دورتين متتاليتين لـ”AKP”… هذه “العينة” لا تستسهل، إن لم أقل، لا تقبل، فكرة دخول الحكومة التركية الحالية في مسار سلبي ضد دمشق رغم مواقفها المعلنة – عبر رئيسها رجب طيب أردوغان – والتي تدعو الرئيس بشار الأسد الى التسريع بحلول اصلاحية لمعالجة الأزمة الناشبة في سوريا، بل رغم نقدها له لما تعتبره تباطؤاً في الجواب الاصلاحي المطلوب.
كان هذا النوع من “الظهور” الاخواني السوري الحدث الأكثر دلالة في الأيام الأخيرة على مشهد بانورامي يشكّل اليوم إحدى الحقائق الأكثر وضوحاً في العالم العربي.
فاياً تكن “كواليس” وجود القياديين الاخوانيين السوريين في تركيا، فهو “ظهور” ما كان يمكن تخيله قبل كانون الأول المنصرم، شهر بدء اندلاع الانتفاضات العربية. وإذا كنت أشارك الأصدقاء المراقبين الأتراك رأيهم بأن العلاقة التركية – السورية كما ارتسمت في السنوات الأخيرة تملك عناصر متانة سياسية واقتصادية مهمة، فاني لا أشاركهم ميلهم الى تخفيف احتمال مساهمة القيادة الحكومية الحالية في توفير حضورهما الى تركيا. إذ أظن انه من المستحيل ان يحصل ما حصل حتى في هذه الحدود الضيقة (مؤتمر منظمات غير حكومية – وتصريحات نأت بنفسها عنها وزارة الخارجية) مع ما يعني ذلك – مباشرة او غير مباشرة – من متغيرات عميقة في المشهد ليس السوري فقط، بل العربي العام.
وعلى الرغم من الاختلافات النوعية – وأشدد على كلمة “نوعية” بين حركات الاخوان المسلمين في كل بلد عربي… ليس فقط في وزن كل منها الداخلي، بل ايضا في قابلياتها الايديولوجية والسياسية ايضا… على الرغم من ذلك فان بعض أولى نتائج موجة الانتفاضات العربية المتلاحقة هي وضعها الفوري لتيارات الاخوان المسلمين في واجهة كل تحرك… ولو بدرجات مختلفة جداً.
ففي مصر تشكل حركة الاخوان المسلمين منذ اللحظة الاولى ركيزة أساسية للوضع السياسي الى حد يمكن معه ملاحظة ان هناك نوعا من التفاهم العميق – إن لم يكن التحالف – بين الحركة والمؤسسة العسكرية في الضبط التدرجي لمرحلة ما بعد تنحي الرئيس حسني مبارك.
لكن على الوجه الآخر للصورة – ولعله الوجه المتمم بمعنى من المعاني – فان الاخوان المسلمين المصريين هم جزء من تيار أكثري واسع يمثل التقاليد والثقافة الدينية المصرية وفي مقدمه “الأزهر” بدأ يخوض حاليا صراعا ضد السلفيين الذين ظهروا بقوة مهددة بعد الانتفاضة… وهذا الموقع الذي يتشارك به “الاخوان” مع قوى أخرى لم تكن تنظر تقليديا الى أدوارهم بارتياح كـ”الأزهر” أو كالاقباط هو اعلان طبيعي عن كون “الاخوان” أصبحوا الآن جزءا لا يتجزأ من ثقافة المجتمع التعددي المصري الذي تهدد السلفية تقاليده التعددية، هذه التعددية التي ستصبح قريبا ديموقراطية برلمانية او رئاسية راسخة دستوريا وواقعيا.
في الأردن، وبدون تعقيد، تحول الاسلاميون الاردنيون الى قوة المعارضة الاولى في مواجهة مفتوحة ولكن ايضا لا تزال محكومة بضوابط الوضع الشرق أردني ونظامه السياسي.
في سوريا… المجهول على هذا الصعيد هو السائد بسبب التاريخ “السري” لحركة الاخوان المسلمين السوريين من جهة، ومن جهة أخرى بسبب الطبيعة التعددية القومية والدينية والمذهبية للمجتمع السوري نفسه ذي الاكثرية السنية، ولعله في سوريا تكمن أصعب الاختبارات وأخطرها قطعا، خصوصا انه لا يبدو هناك تعدد حزبي جدي على مستوى المعارضة، مثلما هي هذه التعددية راسخة، رغم تفوق الاخوان الظاهر، في مصر.
… إنها لا شك “لحظة” الاخوان المسلمين من تركيا الى مصر الى المغرب دون ان ننسى ان الاسلام السياسي الشيعي هو الحاكم في بغداد… وحركة “حماس” الاصولية في غزة، فهل هي لحظة “عابرة” بمعنى أنها الموجة الاولى للمد الديموقراطي العربي التي لا يمكن تلافيها… ستتراجع بعد ان ينفجر احتقانها فتعود الى أحجام عادية عندما يترسخ البناء الديموقراطي في هذا البلد او ذاك… أحجام عادية او طبيعية كما كانت في مصر الاربعينات او سوريا الخمسينات او أردن الثمانينات… أو انها، كما يتخوف بعض الغربيين، وربما بعض الليبراليين العرب، ستتحول الى سيطرة أحادية طويلة الامد، كما فعلت الحركات القومية بعد عام 1948 وهي التي يطال بعضها التغيير الآن؟
بين “الاسلاميين” الأتراك الذين تطوروا الى حزب ديموقراطي على غرار احزاب المسيحيين الديموقراطيين في أوروبا وبين السلفيين السعوديين الذين تحولوا الى “تنظيم القاعدة”… كيف سيتجه الإسلاميون بين هذين الحدّين؟
النهار