صفحات الناس

لست وحدكِ” في مواجهة سلاح الاغتصاب في سوريا/ ريّـان ماجـد

 

فادي زيادة – كتيّب “لست وحدكِ”

“قد تقولين أختي المصابة لنفسك: لماذا حدث لي أنا ذلك؟ هل هو خطئي؟

لا ليس ذلك خطؤكِ … وقد تسألين: هل كان يمكن أن أتجنّب ذلك؟

لا لم يكن بإمكانك ذلك لأن الاغتصاب هو إحدى وسائل العنف المعروفة من أجل السيطرة على الناس وإرهابهم وإضعاف معنوياتهم في كل الحروب”.

هكذا بدأ الطبيب السوري ياسر نديم سعيد مساهمته في كتيّب “لستِ وحدكِ”، الموّجه إلى ضحايا الاغتصاب في سوريا، والذي أعدّته مجموعة من الأخصائيين في مجالات متعدّدة؛ كالطب العام والطب الشرعي وعلم النفس وعلم الاجتماع والحقوق والشريعة وعلوم الدين، وشارك معهم ناشطون.

“هناك أوهام كثيرة تعشعش في عقول الناس حول الاغتصاب، ومنها أن المرأة لا يمكن اغتصابها إلا إذا كانت ترغب في ذلك، وهذا غير صحيح لأن الخوف من الإيذاء والموت هو من طبيعة البشر وهو كاف كي تستسلم المرأة كما يستسلم الرجل”، تابع سعيد.

“ليس فقط قياساً على تجارب شعوب سابقة، بل نعلم أيضاً من خلال مصادر متعددة، أن النظام السوري عبر أجهزته الأمنية والعسكرية، النظامية وغير النظامية، قام باعتداءات جنسية طالت عدداً كبيراً من النساء وحتى الأطفال في البيئات الثائرة، لعل الاغتصاب أبرزها وأكثرها فظاعة”، بحسب جمال صبح، الأخصائي النفسي، الذي أخبر بأن هذا الكتيّب يسعى إلى توجيه رسائل إلى ضحايا الاغتصاب في سوريا “بشكل مباشر وبلغة سهلة، داعمة وانسانية، وإلى تقديم معلومات في مجالات متعددة، نعتقد أنها يمكن أن تساعد الضحايا على التعامل مع الضغوط الهائلة والرضوض العميقة التي خلّفتها تجارب سيئة كالاغتصاب لدوافع سياسية”.

الاغتصاب، سلاح دمار شامل في سوريا”. هكذا عنونت المراسلة الخاصة لصحيفة “لو موند” الفرنسية، “أنيك كوجون”، التحقيق الذي كتبته من الأردن في الرابع من آذار 2014، والذي ذكرت فيه أن النظام السوري ينظّم هذه الجريمة الشاملة المبنية على واحد من التابوات الأكثر تجذراً في المجتمع السوري التقليدي وعلى صمت الضحايا اللواتي يخفن من تخلّي عائلاتهنّ عنهنّ. “هو سلاح يدمّر النساء وعائلاتهنّ ويفتّت المجتمعات”.

التقت الصحافية في الأردن أطباء ومحامين ومعالجين نفسيين يتابعون وضع اللاجئات هناك، وبنساء اغتصبن في المعتقلات أو داخل منازلهنّ أمام أزواجهنّ أو آبائهنّ أو إخوتهنّ، وأخبرت قصص عذاباتهنّ.

وبالرغم من صعوبة تحديد حجم هذه الظاهرة على الأرض وإعطاء أرقام دقيقة حولها، إلّا أن العديد من المنظمات الدولية أصدرت تقارير عن اعتماد الاغتصاب كوسيلة تعذيب في السجون السوريّة لبعض المعتقلين والمعتقلات، الأطفال منهم والكبار، واعتماده أيضاً عند اقتحام الأمن البيوت بحثاً عن أشخاص مطلوبين. ويقدّر حقوقيّون عدد الفتيات والنساء اللواتي تمّ اغتصابهنّ في المعتقلات السورية بالآلاف منذ اندلاع الثورة في سوريا.

“الاغتصاب هو فعلاً غاية الانتهاك النفسي والجسدي، وهو يشكّل جروحاً نفسية مؤلمة للغاية، وهو بحقّ أقسى أنواع الصدمات النفسية التي يمكن أن تتعرّض لها النساء”، بحسب ما كتبه جمال صبح في الدليل، الذي شرح مطوّلاً، هو وباقي المساهمين، الآثار التي تتركها هذه الجريمة على ضحيتها من مشاعر حزن قد تتفاقم، وفقدان الأمل والبهجة في الحياة، بالإضافة إلى إحساس كبير بالذنب ومشاعر كره الذات وتأنيبها، وتعميق مخاوف قديمة لدى الشخص مع احتمال كبير لظهور مخاوف جديدة لديه، ومداهمة روائح تتعلق بأشخاص الجناة أو حتى المكان الذي حصل فيه الجرم وحالة غربة عن المحيط وعن الذات…

في كل فصل من فصول هذا الكتيّب، وصف دقيق وواضح وعلمي ومبسّط لحالة المرأة المُغتصبة النفسية والجسدية، ومحاولة لتقديم بعض الحلول للخروج من وضعها هذا. منها، الحاجة، بداية، إلى تقرير طبي لتوثيق الإصابة، كي تتمكن من تحصيل حقوقها لاحقاً، مهما طال الزمن، في محكمة عادلة، ولبعض الأدوية من أجل الوقاية من الأمراض المعدية والحمل، وإيجاد طريقة للتعايش مع ما حدث، والاستمرار بالحياة، وذلك من خلال السعي، عبر العلاج النفسي، “إلى التخفيف من الآثار والاضطرابات النفسية المرافقة ومحاولة تفعيل مصادر القوة في ذواتنا واستثمارها في رحلة الأمل نحو العودة إلى الصحة النفسية”.

طلبت خولة حسن الحديد في نصّها من المرأة التي تعرّضت لهذه التجربة الأليمة “إدراك حقيقة مفادها أن المجتمع السوري كغيره من المجتمعات العربية، ما زال يرى في المرأة شرف العائلة والقبيلة والعشيرة، وأي اعتداء عليها هو اعتداء على هذا الشرف”. ومن هنا، تفهّم أسباب ردّات فعل البيئة المحيطة وتخطّيها، عبر مواجهة الوضع والسعي إلى إنهاء ثقافة الإفلات من العقاب، وتحويل القضية من قضية خاصة إلى قضية رأي عام.

أخبر جمال صبح في حديث له إلى موقع NOW عن “عدم وجود إمكانية لتمكين الضحايا من الوصول إلى مراكز علاجية أو خدمات استشارية أياً كانت، نظراً لظروف التهجير واللجوء وسياسة الحرب وتهديم المدن”. وأن هناك عدداً كبيراً من النساء لا يتلقين أي دعم يمكنهنّ من البدء في رحلة استعادة التوازن النفسي والاجتماعي العام.

“عملنا “لست وحدك” هو خطوة صغيرة على هذا الدرب الطويل والمجهد. نحن نعي حجم المشكلة ونعرف أنه لا يمكن من خلال تصفح 80 ورقة أن تتغلّب الضحايا على أزمة جسدية، نفسية واجتماعية عميقة مثل “الاغتصاب” ولكننا نعتقد أن هناك فرصة، ولو ضئيلة، يمكن من خلالها دعم الضحايا وتقديم ما يمكن أن يساعد في هذا الاتجاه”.

لعلّ واحداً من إيجابيات هذا العمل المشترك، إيصال رسالة واضحة وداعمة إلى من دفعن ثمن مطالبتهنّ بالحرية، لا تتضمّن صيغ “قداسة وبطولة ولا مشاعر شفقة”، بل تمنحهنّ بعض الأمل، كي لا يفقدن ثقتهنّ بالمجتمع ككلّ ويعرفن أن هناك من يقف إلى جانبهنّ في محنتهنّ ويعتبرها محنته هو وقضيته هو.

“لست وحدكِ، فنحن معك”، ختم فريق العمل .

موقع لبنان ناو

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى