صفحات سوريةغازي دحمان

لعبة التفريغ الديموغرافي/ غازي دحمان

 

 

اقتلكم جوعا او تتركون ارضكم الى الابد، هذا شعار حزب الله وجماعة الاسد الجديد تجاه كل المناطق التي تقع في مربع دمشق حمص، في ظل إنكفاء عالمي عن الازمة السورية وتركها تسير حسب أعنة مقاديرها، فيما ليس هناك ادنى جد من العدالة لا على مستوى الموضوع صلب الازمة، شعب يدافع عن حقه في الحرية والكرامة مقابل نظام لا وطني وأدوات خارجية، ولا على مستوى الفاعلين أيضاً، حيث مجتمعات محلية في مواجهة قوى إقليمية ودولية.

عملية تطهير عرقي في وضح النهار تقوم بها جماعة الأسد و»حزب الله»، والواضح من سياق الأحداث التي جرت في عموم منطقة القلمون من القصير الى يبرود ورنكوس ثم دير عطية والنبك وأخيرا الزبداني ومضايا بقين أن الجهود منصبة بدرجة كبيرة على افراغ هذه المنطقة، وبالفعل جرى إفراغها ولم يبقى غير ثغر قليلة يتم التعامل معها الأن، في مثلث الزبداني بلودان بقين.

الجديد في هذه العملية الجارية منذ أكثر من ثلاث سنوات والتي بدأتها إيران من خلال « حزب الله» أنها كانت تجري بتقية وحذر شديدين وتحت عناوين مختلفة مثل تأمين حدود لبنان وقطع طرق الإمداد عن المعارضة المسلحة في تلك المنطقة بما يشي أنها عمليات ضد المكون العسكري في المعارضة وحسب، رغم أنها كانت تقوم بتهجير سكان تلك المناطق، غير أن الجديد في الأمر أنها باتت تجري بشكل واضح كعملية تفريغ ديمغرافي بشكل علني وصريح بل وأنها تأخذ طابع الأمر العادي وكأن القضية بالأصل قضية نزاع على مناطق وليست قضية ثورة ضد نظام أو حتى نزاع سياسي.

ويبدو المخطط أبعد بكثير من مجرد ثغر حدودية يصار إلى نزع قوتها التسليحية، مع ان غالبية القرى الموجودة في شريط القلمون لم يكن بها أي شكل من أشكال التنظيمات العسكرية الكبرى كتلك العاملة في الشمال بل عبارة عن تشكيلات محلية تكوّنت بما يشبه مبادرات محلية للحماية من عمليات الإعتقال والعسف التي كانت تقوم بها منظومة الأسد العسكرية والأمنية في بداية الأحداث، حتى أن نائب رئيس الأركان السابق أصف شوكت و قبل مقتله كان قد وقع هدنة مع ثوار الزبداني بناء على توصيف بأنهم مقاتلون محليون بحمون أحياءهم ومناطقهم.

تتضح صورة المشهد أكثر لدى معاينة الإجرءات والترتيبات القائمة في المناطق المحيطة بدمشق في الغوطتين الغربية والشرقية والطريق الممتد من دمشق إلى حمص وحماة، في جميع هذه المناطق ثمة حركة لا تهدأ تشارك فيها روسيا وإيران وأذرعهما من الميليشيات العراقية واللبنانية ، وتطبق هذه الحركة جملة من الأليات كالحصار والتفريغ والخنق في عملية يبدو واضحا فيها السباق مع الزمن من اجل تكريسها على أرض الواقع ضمن مهل زمنية محددة بحيث تصبح هذه الوقائع منتجة لواقع سياسي جديد يتم على أساسه رسم صورة سورية المستقبلية.

يدفع هذا المعطى إلى طرح سؤال عن حقيقة الكلام الذي يجري طرحه في بعض وسائل الإعلام القريبة من إيران في المنطقة عن تعديل موازين القوى من أجل تحقيق شروط تفاوضية أفضل، بالأصل هذا المنطق ينطبق على حالة صراع بين دول تتنازع على أرض أو حقوق معينة ولا ينطبق على ثورات شعبية ضد الفساد والديكتاتورية، فهل كان يفيد شاه إيران توازن قوته مع قوة الثورة ضده مثلاً؟ وأي مكاسب يمكن أن يحققها من هذا التوازن؟ تحسين شروط منفاه أو عدم محاسبته على الإرتكابات بحق شعبه؟ وبالتطبيق على الحالة السورية هل تستحق هذه المطالب لبشار الأسد كل هذه الحرب الضروس وهل يستلزم تحقيقها إجراء عمليات إبادة وتطهير ديمغرافي في حيز واسع من سورية؟

القضية إذاً أبعد من مفاوضات ومعادلات سياسية أنية بل ان هذه لا تعدو كونها غطاء تستثمره تلك القوى للمضي بمشروع إفراغ الأرض السورية في القلمون وحول دمشق وحمص وحماة في عملية تقاسم للأرض بين روسيا وإيران بحيث تعمل روسيا على تنظيف محيط الساحل من المكوّن الأكثري حيث قواعدها وأماكن نفوذها وتتولى إيران تنظيف دمشق القلمون من سكانهما أو تحويلهم إلى أسرى عاجزين عن القيام بأي فعل في المستقبل.

إلى أي مدى تبدو هذه الإستراتيجية مجدية وتستحق بالفعل كل تلك الجهود والموارد؟ في المدى المنظور قد يتم إفراغ مناطق كثيرة من سورية إما بسبب شراسة الهجوم وإستخدام المهاجمين كل أنواع الأسلحة بدون أي رادع أحلاقي أو رقيب دولي، وإما بسبب أن المجتمعات المحلية باتت منهكة بعد خمس سنوات من إعلان الحرب ضدها ومعاقبتها بالقتل والحصار والتجويع، لكن في المدى المتوسط ستفرز هذه المجتمعات أنماط من المقاومة قادرة على تفكيك وتحطيم تلك الإستراتيجيات، إذ كيف سستتصرف إيران مع أكثر من مليون نازح في لبنان وعلى بعد كيلو مترات قليلة من بيوتهم ومناطقهم؟ وماذا ستفعل روسيا في مواجهة أكثر من مليونين نازح في مخيمات تركبا، هؤلاء وأولئك ليس أمامهم خيار سوى العودة إلى قراهم وسيرجعون بقوة اكبر وأكثر تنظيماً ووعياً بمأساتهم وطرق حلها، من جهة ثانية من شأن هذه العملية ان تتحوّل إلى دينامية تفجيرية في كل المنطقة وبالتالي وبدل أن يتم مبادلة سكان كفريا بالزبداني قد يصار إلى مبادلات إقليمية أكبر تشمل مناطق سورية ولبنان والعراق، فهل نحن مستعدون لتقبل مثل هذا الإحتمال؟.

المستقبل

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى