لقاءات مع دي مستورا/ د. رياض نعسان أغا
يمكن اعتبار لقاء المعارضة السورية مع ستيفان دي مستورا في الرياض خلال الأيام الأخيرة من هذا الأسبوع بداية تمهيدية للمفاوضات المزمع عقدها في جنيف في 25 يناير الجاري، وكان واضحاً أن دي مستورا يدرك صعوبة مهمته، فقد أخفق الإبراهيمي المبعوث الدولي قبله في إقناع النظام بالحل السياسي، واعتذر للسوريين، ولابد أن دي مستورا لا يريد أن يكرر تجربة فاشلة، ولكنه رأى بعد مؤتمر الرياض معارضة قوية متينة تجمع العسكريين مع السياسيين المدنيين لأول مرة، حيث حظي المعارضون بموقف موحد في الرؤية والجهود التي انبثقت عنها هيئة عليا للمفاوضات تضم ممثلين عن كل شرائح المجتمع السوري وأطيافه، وربما فوجئ سفراء الدول الكبرى الذين التقت بهم هيئة المفاوضات (وقد يكون دي مستورا نفسه فوجئ)، بأن رجلاً واحداً يتحدث باسم الجميع، ولا يقاطعه أحد، أو يخرج عن الرؤية الجماعية التي يمثلها بوصفه المنسق العام، ولقد كان هذا الإجماع دليلاً قوياً على أن اتهام المعارضة بالتشتت أو الغياب قد انتهى، وقد بدأ المنسق العام لقاء الهيئة مع دي مستورا بطرح أسئلة مستمدة من القرار 2254، وهي التي تتعلق خاصة بالبندين 12 و13 وهي التي ترسم مرحلة ما قبل البدء بالمفاوضات، وقد تسمى مرحلة تقديم حسن النوايا الممهدة لبناء الثقة بالعملية التفاوضية، ومنها ما يتعلق بالجانب الإنساني مثل فك الحصار عن المدن التي يعاني سكانها من الموت جوعاً، حيث لابد من العمل السريع لتمكين المنظمات الإنسانية من إيصال المواد الغذائية، وكذلك موضوع الإفراج عن المعتقلين ولاسيما النساء والأطفال والشيوخ، ووقف عمليات القصف الجوي العشوائي الذي يقتل مئات السوريين المدنيين يومياً، وقد أشار المنسق العام إلى أن هذه الأسئلة ليست شروطاً مسبقة وإنما هي استحقاقات مرحلة ما قبل التفاوض كما حدد قرار مجلس الأمن الذي طالب بالوقف الفوري لإطلاق النار. والسؤال من يملك قرار الوقف الفوري لإطلاق النار؟
لقد أوضحت المعارضة أن النظام لا يملك أكثر من عشرة بالمئة من حجم النيران التي تملك بقيتها إيران وروسيا فضلاً عن كون سوريا تغص الآن بالميليشيات والمرتزقة التي جلبها النظام، وهو لا يملك اليوم سلطة على أكثر من 18 في المئة من مساحة سوريا، وليست له سيادة على نصف سكان سوريا في الداخل، فضلاً عن ملايين المشردين واللاجئين في الخارج، كما أنه فقد سيادته على الموارد الطبيعية، وعلى الطرق والمعابر الدولية، فهو إذن نظام فقد السيادة كما فقد الشرعية، ولولا الاحتلال الإيراني والروسي والدعم الذي يتلقاه من ميليشيات «حزب الله» وأمثالها الطائفية لما كان له وجود وهذا يعني أن المجموعة الدولية هي التي ينبغي أن تقوم بدورها لوقف إطلاق النار.
كما وجهت المعارضة للمبعوث الدولي سؤالاً حول المعايير والمواصفات التي تتم على أساسها التصنيفات لمن يسمون إرهابيين، فقد لاحظت المعارضة أن روسيا مثلاً تعتبر كل المعارضين المعتدلين إرهابيين.
كما وجهت المعارضة انتقاداً لمساهمة الأمم المتحدة فيما قامت به إيران من تغيير ديموغرافي للسكان على أسس طائفية، وما قامت به الأمم المتحدة من تدخل فيما جرى بين النظام و«داعش» في عملية الترحيل التي عبرت من دمشق. وأشارت المعارضة إلى أن ما نص عليه قرار مجلس الأمن 2254 من الحفاظ على مؤسسات الدولة، يجب أن يلحظ ضرورة إعادة هيكلتها ونخص الجيش والمؤسسة الأمنية التي دمرت سوريا وقتلت شعبها. وربما كانت الإشارة الأهم التي سمعها المبعوث الدولي هي سؤال المعارضة عن سبب إغفال القرار ذكر نهاية دور الأسد، مذكرة بأن الرئيس الأمريكي وغيره من قادة العالم يرددون منذ سنوات أن الأسد فقد شرعيته، ولا دور له ولرموزه وأركانه في مستقبل سوريا.
أقدر موقف دي مستورا حين قال إنه لن يتدخل في تشكيل وفد المعارضة، ولن يضيف أسماء، كما تردد في بعض وسائل الإعلام، وكانت المعارضة قد استبقت اللقاءات بتأكيد كونه وسيطاً دولياً وليس وصياً على الشعب السوري.
لقد وصفت المعارضة السورية لقاءاتها بالمبعوث الدولي بأنها بناءة ومفيدة، وهي تنتظر ما سيصل إليه المبعوث الدولي من إجابات مطمئنة تجعل عملية التفاوض قابلة للنجاح.
الاتحاد