لقاسيون لا لبشّار
احمد عبد الحق
كان من الطبيعي ان تفرز احداث سورية خلال الاشهر القليلة الماضية توجهات متباينة وتحالفات متناقضة تعكس خصوصية الدور السوري على الساحة الاقليمية، وكان من الطبيعي ان تمتد هذه التوجهات والتحالفات الى المحيط السوري وبشكل خاص الى لبنان والاردن حيث تراوحت مواقف القوى السياسية في هذين البلدين بين مؤيد لنظام الاسد بلا تحفظ او معارض خجول يقترب من المنطقة الرمادية، الى ثالث فتح نيرانه على دمشق منذ اليوم الاول، ليس فقط داعيا للاصلاح ومحاربة الفساد، وانما مطالبا برأس النظام .
تتذرع الفئة الاولى، الداعمة لنظام الاسد، بضرورة التصدي لمحاولات اضعاف نهج الممانعة والصمود الذي تنتهجه دمشق من خلال دعمها للمقاومة اللبنانية واحتضانها للفصائل الفلسطينية، وتتجاهل هذه الفئة، في الوقت نفسه، الطبيعة الامنية للنظام السوري ودمويته في التعامل مع الحراك الشعبي. رفع معسكر النظام شعار جورج بوش الابن ..’من لم يكن معي فهو مع عدوي’، ووضع هذا الشعار القوى التقدمية الديموقراطية في سورية وخارجها امام معضلة صعبة تتلخص في خلق تناقض بين الحرية والديموقراطية من جهة وبين نهج الممانعة والصمود من جهة اخرى. فوفقا للتصنيف السوري، من كان معي، فهو معي ليس فقط في دعم المقاومة والصمود ولكن ايضا هو معي في قمع المطالبين بالاصلاح والتنكيل بهم. لم يكن متاحا للمرء، وفق هذا التصنيف، ان يكون في خندق المقاومة وفي صف الحرية والديموقراطية في آن. وضع نظام الاسد كل من ادان الظلم والقهر والاستبداد في خانة عملاء الناتو و ازلام الامبريالية والصهيونية، وامعن النظام في التصدي لكل من خالفه الرأي تحت عنوان رئيسي يتعزز كل يوم وملخصه ..’انا ومن بعدي الطوفان’ .
على الطرف الآخر سارع حلفاء الناتو والبترو دولار الى الارتماء في احضان الجامعة العربية، التي لم تكن يوما الا مطيّة لانظمة الفساد والقمع، يستجدون استنساخ النموذج الليبي للتخلص من نظام الاسد. ووجد هذا المعسكر انصارا له في دول الجوار السوري وضمن دوائر ‘الاعتدال’ العربي المرتبطة بالمحور الامريكي الاسرائيلي.
اما المعسكر الثالث، وهو معسكر الاغلبية، فيدرك ان المرحلة السورية ليست الا مقدمة لما قد يؤول اليه المآل من نتائج كارثية، ليس على سورية فحسب وانما على المنطقة العربية برمتها. وقد بدأت ملامح هذه المرحلة تتبلور عبر سلسلة من الاجراءات المتلاحقة كان آخرها تعليق عضوية سورية في جامعة الدول العربية وهو امر ما كان ليحظى بهذا الاهتمام لولا انه اصبح الآن يؤشر الى نمط ليبي في التعاطي مع المسألة السورية، اي التدخل الدولي عبر بوابة الجامعة. ومن الواضح ان اولى نتائج التدخل الدولي في سورية، ان تم، ستكون تصفية المقاومة في لبنان وفلسطين وتهيئة الاجواء المحلية والاقليمية والدولية لقيام اسرائيل بضرب المنشآت النووية الايرانية من خلال عمل عسكري مدروس بدعم معلن من الولايات المتحدة وغير معلن من دول ‘الاعتدال’ العربي وعلى رأسها السعودية. وبذلك تكتمل حلقات المخطط الهادف الى ابقاء اسرائيل كيانا مستقرا مزدهرا لا تعكر صفوه صواريخ حماس ولا مدافع حزب الله، كيانا يكون بمقدوره الانطلاق نحو شرق اوسط جديد لا مكان فيه لا لايران ولا لحلفائها سواء كان ذلك في دمشق او غزة او في الضاحية الجنوبية لبيروت.
معسكر الاغلبية يقف متصديا لعصابات الناتو والبترودولار ويدعم نهج الممانعة والمقاومة ولكنه، في ذات الوقت، يعطي الأولوية للحرية والعدالة والكرامة ، ويحمّل الاسد ونظامه مسؤولية جر سورية والمنطقة الى هاوية التدخل الاجنبي والسيطرة الامبريالية على مقدرات الامة. لا يمكن للسوريين ان يلعقوا بساطير العسكر دعما للمقاومة ولا ان يدخلوا الغرباء الى مخادع نسائهم دفاعا عن الصمود والتصدي. المقاومة صنو الحرية، والصمود ربيب الكرامة والعزة ولا ينبغي للشعب السوري ان يجبر على الاختيار بين العين والعين ولا بين الاب والام. لا يمكن للحراك الشعبي السوري ان يتوقف ولا لدماء الالآف من الشهداء ان تذهب هدرا. الكرة في ملعب النظام ومن يصفقون له. لا بديل عن انتقال السلطة الى الشعب . والاسد مدعو، قبل فوات الاوان، الى اعلان واضح لا لبس فيه عن نيته التخلي عن السلطة لصالح القوى الوطنية التقدمية الرافضة للتدخل الغربي عبر جدول زمني لا مكان فيه للخداع ولا للمراوغة. ولا يمكن التحقق من ذلك دون فتح الباب على مصراعيه امام وسائل الاعلام الاقليمية والعالمية.
مطلوب من دمشق ان تتخلى عن الطفولة السياسية الساذجة التي لا ترى في شعبها الا قطعانا بشرية تسوقها آلة اعلامية عاجزة عن مواكبة العصر .
مطلوب من دمشق ان تنتصر لتاريخها لا لزعيمها الاوحد، ان تتكحل بعيون اطفالها لا بدخان البنادق وغبار الاستبداد.
مطلوب من دمشق ان تفوّت الفرصة على من يرسمون لمنطقتنا خارطة جديدة ممهورة بنجمة داوود ومضمّخة برائحة النفط والدم.
‘ كاتب اردني
القدس العربي