للخروج من عنق الزجاجة السوري
فلورنس غزلان
تدخل الثورة السورية شهرها الحادي عشر، نزيف متواصل للحياة بكل مايحمله اسم الحياة من فواصل وتقسيمات..صار الموت السوري مسرحاً يومياً مفتوحاً على الهواء مباشرة لكل عين تعشق رؤية الدم وتعتاد على العنف لشحن مخيلتها السينمائية بمزيد من الفنون المجنونة..
عالم حقوق الإنسان..يصدر البيانات والتصريحات ويكتفي بلقاء هنا بين أوغلو ولافروف، وآخر يرجى له النجاح بعد صمت طويل ومحاولات بائسة ومتفرجة من العالم العربي ممثلا بجامعته الأكثر بؤساً وبنوداً والأقل خبرة ونضجاً سياسياً ـ إن جاز لنا القول ــ، يترافق مع تصريحات جلها يدخل في إطار الحملات الانتخابية الفرنسية منها والأمريكية على لساني ساركوزي سيد الأليزيه وأوباما سيد البيت الأبيض، حيث يمر كل منهما على السياسة الخارجية مرور العتب والكسب الانتخابي أكثر منه الإقرار بحق شعب يناضل ويصمد في وجه أعتى الطغاة وأشرس الأنظمة على مر العصر الحديث منذ الحرب العالمية الثانية من أجل بناء وطنه الحر الديمقراطي.
ــ تطول المدة، في الحالة الليبية لم تنتظر الدول العربية والعالمية أكثر من أسبوع وفي المصرية والتونسية زادت عليها أياماً، لكن عرب الخليج سارعوا لانقاذ ماء الوجه ونظام علي عبدالله صالح من مقصلة الشعب، فأنتجوا في مجلس تعاونهم مشروع قرار ضغطوا بقوة كي يسري مفعوله ويطبق على الأرض، لا أحد بينهم أراد ويريد بالقول والفعل أن يرحل بشار الأسد، لهذا ماطلوا وسوفوا..منحوا المهل والمدد ، خاطبوا عقل بشار الغائب..ونادوا ضميره الميت..وهم يعرفون أين تربى وكيف نشأ وعلى أي يد ترعرع وأي هواء تنفس..ومن هو معلمه في إدارة أمور البلاد والعباد وكيف مُدَّت له الحشايا والسجاد كي يخطو بنعومة ويتسلم بهدوء وسلاسة قيادة بلاد طائعة ذليلة له ولأسرته، لهذا جاءت مبادرتهم متأخرة عشرة أشهر حين خجلوا من شرايينهم ومن نظرات شعوبهم الملتهبة عليهم والمترقبة لمساعيهم، فعملوا بمنطق ” أضعف الايمان” فأرسلوا أسوأ لجنة مراقبة عرفها التاريخ يترأسها مسؤول عن مذابح دارفور ليكون الفصل والحكم والمراقب لصالح نظام بشار الاسد، لا لكي ينقذوا شعباً يكافح بصدوره العارية ويدفع الغالي والنفيس من أجل التحرر من عبودية طالت ولم يعد من الممكن لشعب لم يرضخ عبر تاريخه ولم يذل كما ذل على أيدي بشار وزبانيته، فجاء تقريره يمثل صاحبه ابن عمر البشير البار..هنا لم يعد من الممكن الاستمرار في التغاضي والتعامي..ولم يعد من الممكن لشعوبهم أن تصمت على نومهم الطويل، فرفعوا من سقف مطاليبهم وقراراتهم لتصل إلى حد مطالبة بشار بالتنحي وتسليم صلاحيات كامله لنائبه الأول فاروق الشرع …وما لحق ذلك من بنود مبادرة وزراء الخارجية العرب…كانوا يعلمون ويتوقعون أن نظام الأسد سيرفض ويعتبر مشروعهم” تدخلاً سافراً يمس بسيادته” الممسوسة والعايبة أصلاً، فمنطق السيادة الأعوج لايتناسب وعقل طفل يدرج..حين يأتي برجال الباسيج الايرانيين كصائدي رؤوس وقناصة يرتعون وينعمون بإقامة ورعاية ويدفع لهم بالعملة الصعبة مقابل خدماتهم في قتل الشعب السوري، ولا تمس سيادته حين تأتي القوارب والبوارج الروسية بالسلاح والخبرات…لكنها تعود وتنحني أمام مطالبته بالتنحي..من دول عربية سلبها عروبتها وقوميتها..التي يتبجح بها عبر عقود من الزمن..فهو من يمنح بطاقات العروبة والائتمان القومي…باعتباره ممانع …لايمانع في مطالبته إسرائيل بالنظر لأمنها القائم على أمن نظامه وسلامته!
ــ كل ماسلف..غضضنا عنه البصر وترقبنا حلاً عربياً ــ عالمياً يحمل وجدان الانسان وحق الشعوب في تقرير مصيرها..وحين جاءنا الغيث بعد احتباس صحراوي المنشأ..وقف صوت الصديقة للنظام ” روسيا” يدحض ويقارع..لأنه يتمسك بالنظام كحلقة أخيرة في استراتيجيته الوحيدة في المنطقة، وسوق وحيدة لتفعيل معامل سلاحه..فكيف يمكن التغلب على هذا الموقف وشرائه ــ نعم شراءه ــ لأن المواقف تباع وتشرى فلم يعد في موازين الدول من منطق إنساني وحقوقي، بل مصالح اقتصادية واستراتيجية سياسية على المجلس الوطني السوري مساومة روسيا..والتأكيد لها على أن حصتها من العقود مضمونة مع حبة مسك وبهار بعد سقوط الطاغية بشار ، وان مصلحتها مع الشعب السوري وثورته لامع نظام الأسد لأن النظام زائل لامحالة..وعلى المجلس ان يتحرك بسرعة لأن الوقت يمر ولا يعمل في مجلس الأمن لصالحنا إن لم نسارع في إسكات أطماع روسيا، وتمسكها بنظام بشار لاينبع نتيجة عشقها لزرقة عيونه بل بعد أن فقدت في عراق صدام حسين الكثير من عقودها ومصالحها البترولية والسلاحية، وفي ليبيا القذافي كذلك، فلم يتبق لها في ميدان المنطقة سوى حديدان الأسد، أما تركيا وإيران ـ، فقد وضح لنا تذبذب الموقف التركي.. ففي بداية الثورة راحت تركيا تصرخ بصوت أعلى من قدرة حلقها ..ثم بدأ العد التراجعي يطفو.. ومازال يعمل بين مدٍ وجزر..حسب مصلحته ومصلحة علاقاته الأوربية الأمريكية والمناطقية الطامحة لدور ..يمكننا أن نضمنه عربياً … ، بينما الموقف الإيراني تميز بالوقوف بقوة إلى جانب النظام..لكنها اليوم تساوم بعد أن شرعت العقوبات الاقتصادية بالتأثير على تحركها ونوويها من جهة وعلى علاقتها المكشوفة في دعمها اللوجستي للنظام السوري، وبعد أن وضح كالنهار مدها النظام بالسلاح والعتاد والرجال كذلك..وهذا يمكنه توريطها مع المنطقة برمتها، فهل تريد إيران إشعال فتيل حرب طاحنة؟ لاأعتقد أنها تصل إلى هذا المستوى من السذاجة في حساباتها السياسية، فهاهي تناور لإطلاق سراح قناصيها المتورطين والمتواجدين بين أيدي الجيش السوري الحر.
ــ كل هذا ممكن العمل عليه سياسياً، بينما نرى مدى وعورته وصعوبته في خضم الأحداث المتلاحقة داخل سوريا، فماقدمه ويقدمه يومياً شعب سوريا من تضحيات فاقت التصور والقدرة على الاحتمال، يفتح مجالاً واسعاً للتطرف بكل أنواعه إلى النفاذ، سواء من خلال محاولات عسكرة الثورة واستعداد بعض دول المنطقة لمد هذا التحرك بالعتاد، دون حساب لمايمكنه أن يجره هذا التحرك على سوريا كوحدة وطنية ومجتمعية..ومايمكن للحل العنفي أن يفعل فعله في نفوس أبنائه..فالمشكلة ليست فقط في السلاح، وإنما فيمن يمسكه ومدى استعداده لاستخدامه في الوجهة الصحيحة دون أن ينزلق لمتاهة الحرب الاهلية، وبهذا نقدم للنظام خدمة جليلة ليقتنص الفرصة في استخدام عنف أكبر ، فيجتاج المدن والقرى تحت ذرائع حربه على الإرهاب!، السؤال الذي يطرح نفسه وبحدة هنا..
ــ هل يمكن لمثل هذا العمل أن يؤدي إلى نتائج إيجابية على الأرض؟ وعلى من تقع المسؤولية في توجيه هذا العمل كي لاينعكس سلباً على النتائج المرجوة بعد أن فقد المواطن الأمل في حل سياسي؟!.
ــ الجيش السوري الحر لامركزية له ولا يستطيع توحيد عمله في كل المناطق، وماينضم إليه أو ينظم نفسه في كتائب متطوعة لاتحمل سوى عتاد فردي وذخائر خفيفة وغير كافية..يقع على عاتق المعارضة وعلى رأسها المجلس الوطني تنظيم هذا الأمر والحث عليه كي لايشكل شذوذاً وتطرفاً غير محمود العواقب، والضغط عربياً وعالمياً من أجل إيجاد ممرات آمنة للانشقاقات وللكتائب التي يمكنها أن تنضوي تحت سقف الجيش الحر وتنصاع لأوامره وتدريبه، وكلما سارعنا في تفعيل دور مجلس الأمن وايجاد مخرج سريع وحل سياسي سريع كلما جنبنا الوطن المزيد من الضحايا والمزيد من الخراب، والمزيد من التشرذم ، كل هذا لايعني أننا نطالب بتدخل عسكري أجنبي..ونحن الأعلم أنه أيضاً غير ممكن ولا أحد لديه الاستعداد لفعله..إذن أمامنا مهمة شاقة ولكنها حاسمة كي نستطيع انتزاع حق الشعب السوري في حماية دولية من خلال إدانة النظام السوري في الجمعية العامة للأمم المتحدة وتحويل ملفها الحقوقي لتقديم مرتكبي الجرائم من عناصر النظام للمحاكم الدولية ، وملاحقتهم أمام القضاء الدولي..وتأمين مناطق إغاثة وأمن للمدنيين والعسكريين، وتفعيل المبادرة العربية كحل سياسي مضمون لرحيل بشار الأسد عن السلطة وفيما بعد يصبح القرار بيد الشعب السوري وحده.
ــ باريس 27/01/2012