صفحات العالم

لماذا الإصرار الروسي على الانتقام من الشعب السوري؟

خيرالله خيرالله
يتحدث الرئيس الروسي المنتهية ولايته ديمتري ميدفيديف عن “قصر نظر” لدى اولئك الذين يعتقدون ان تخلي الرئيس بشّار الاسد عن السلطة لن يحلّ الازمة في سوريا.
في الواقع، ان كلام الرئيس الروسي، المنتهية ولايته والذي سيعود قريبا رئيسا للوزراء، يلامس الحقيقة في حدود معيّنة. نعم ان استقالة الاسد الابن لا تحلّ الازمة، لكنها خطوة اولى لا غنى عنها على طريق الحل. ولذلك من الافضل للرئيس الروسي التخلي عن التذاكي والسعي في الوقت ذاته الى محاولة استيعاب ان هناك شيئا ما انتهى في سوريا وان النظام غير قابل للاصلاح. اكثر من ذلك، عليه الاعتراف بانّ على بشّار الاسد الرحيل اليوم قبل غد نظرا الى ان وجوده في السلطة لا يمكن ان يأخذ سوريا سوى الى حرب أهلية ستنتهي بتفتيت هذا البلد المهم. هذا البلد الذي تدعي روسيا انها حريصة عليه بمقدار ما كانت حريصة على النظام العائلي- البعثي الذي اقامه صدّام حسين في العراق!
كان مفترضا في الروس ان يكونوا اكثر إلماما بالوضع السوري. كان مفترضا بهم الاعتراف أولاً ان الشعب السوري واحد وانه لا يسعى الى اقامة حكم سنّي كما يدعي وزير الخارجية سيرغي لافروف. اذا كان من ايجابية لكلام لافروف فانه كشف مدى الجهل الروسي في سوريا.
قبل كلّ شيء، ان نسبة تزيد على خمسة وسبعين بالمئة من السوريين تنتمي الى اهل السنّة. هذا واقع ليس في الإمكان تجاهله شاء لافروف ذلك أم أبى. البقية من ابناء الشعب السوري تنتمي الى الاقليات العلوية والمسيحية والدرزية والاسماعيلية. هناك سنّة اكراد وهناك اقلّية شركسية ايضا. ولكن في نهاية المطاف، هناك اكثرية كبيرة في سوريا من العرب السنّة. ما الذي يريده وزير الخارجية الروسي عمليا؟ هل يريد القول ان ليس من حق السنة ان يكونوا في السلطة، وان المصالح الروسية تتعارض مع وجود أهل السنّة في سوريا في مواقع عليا وان ليس ما يلبّي هذه المصالح سوى بقاء الوضع في سوريا على ما هو عليه منذ ما يزيد على اربعة عقود؟
كيف يمكن لدولة مثل روسيا ان ترفض التعاطي مع الواقع السوري كما هو وان تبحث عن كيفية المحافظة على نظام انتهت صلاحيته منذ فترة طويلة؟ ربّما كان ميدفيديف ولافروف ومعهما الرئيس الجديد- القديم فلاديمير بوتين يصدقون ان الشعب السوري يعشق حياة الذلّ ويعشق معها بشّار الاسد وان لدى الاخير ما يقدّمه للشعب السوري ولسوريا غير ما فعلته القوات التابعة له في حيّ باب عمرو في حمص. هل بلغت الوقاحة بالمسؤولين الروس الترويج لنظام بائس عاجز عن حلّ اي مشكلة تعاني منها سوريا في الداخل والخارج؟
يبدو ان الروس لا يريدون ان يتعلموا شيئا من الماضي القريب. فالسؤال الذي يطرح نفسه بالحاح بشكل يومي مرتبط اوّلا واخيرا بشرعية النظام الذي تدعمه موسكو. مثل هذه الشرعية غير قائمة لسبب في غاية البساطة عائد الى ان النظام القائم منبثق عن انقلاب عسكري نفّذ في الثامن من آذار- مارس 1963، اي قبل تسعة واربعين عاما. تدرّج هذا النظام الذي بدأ بعثيا مدنيا الى نظام عسكري يستبعد الضباط السنّة الآتين من المدن الكبرى على رأسها دمشق وحلب وحمص وحماة. بعد ذلك، استُبعد الدروز. وفي مرحلة معيّنة، صار مطلوبا استبعاد الاسماعيليين. انتهى الامر بسيطرة ثلاثة ضبّاط علويين على رأس هرم السلطة هم محمد عمران وصلاح جديد وحافظ الاسد.
منذ العام 1970، تفرّد الأسد الأب بالسلطة. انتهى من محمد عمران ووضع صلاح جديد في السجن. عالج كل المشاكل ما عدا مشاكل سوريا التي صار عدد سكانها في السنة 2012 نحو ثلاثة وعشرين مليونا بعدما كان عددهم في العام 1970 ستة ملايين نسمة.
ليس لدى النظام السوري الذي تحول منذ وفاة حافظ الاسد الى نظام العائلة الواحدة اي خيار غير الرحيل. انه نظام غير قادر لا على الحرب ولا على السلام ولا على التعاطي مع الواقع السوري والعربي. هل يكفي ان يكون هذا النظام تابعا لإيران كي يصبح شرعيا من وجهة نظر روسيا؟
سبق لموسكو ان دعمت انظمة انتهت صلاحيتها. ايام الاتحاد السوفياتي السعيد الذكر، دعمت الصومال في عهد محمد سياد بري، ثم انتفلت الى دعم اثيوبيا في عهد منغيستو هايلي مريم. ومنذ العام 1970 حتى العام 1990، استثمرت في النظام القائم في ما كان يسمّى “جمهورية اليمن الديموقراطية الشعبية”. ورط الاتحاد السوفياتي العرب، في مقدّمهم مصر، في حروب لا طائل منها. من الواضح ان السوفيات والروس لم يتعلّموا شيئا من التجارب التي خاضوها في المنطقة، بما في ذلك تجربتهم مع نظام البعث العراقي الذي ربطتهم به معاهدة صداقة وتعاون وقعت في العام 1972.
يمكن لروسيا ان تطيل من عمر النظام السوري. لكنها لا يمكن ان تبقي النظام على قيد الحياة الى ما لا نهاية. ما تفعله روسيا حاليا يتعارض مع منطق التاريخ لا لشيء سوى لانّ قضيّة سوريا هي قضيّة شعب اوّلا. هل تفهم موسكو هذه المعادلة البسيطة ام تتمسّك بموقفها الهادف الى إدخال سوريا في حرب أهلية تنتهي بتفتيتها؟ المؤسف انه كلما مرّ يوم تزداد مخاطر الحرب الاهلية في سوريا. انها حرب بغيضة سيدفع الشعب السوري ثمنها. لماذا هذا الاصرار الروسي على الانتقام من الشعب السوري؟
المستقبل

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى