صفحات الناس

لماذا الدولة الإسلامية باقية؟/ أنّـا ماريـا لوكـا

 

 

التدخل الروسي في سوريا

تنفّذ القوات الجوية الروسية ضرباتها الجوّية في سوريا عملاً بأوامر الرئيس فلاديمير بوتين المباشرة. وقد أعلن إيغور كوناشينكوف، المتحدّث باسم وزارة الدفاع الروسية، أنّ “طائرات القوات الجوية الروسية بدأت العملية الجوّية، التي تشمل ضربات محدّدة ودقيقة لأهداف أرضية لإرهابيي الدولة الاسلامية في سوريا”.

وقالت قناة “روسيا 24” إنّ الضربات الجوية الأولى نفذتها طائرتا هجوم من طراز Sukhoi Su-24 على بعد 213 كلم شمال العاصمة السورية دمشق بالقرب من مدينة حماه.

غير أنّ المرصد السوري لحقوق الإنسان قال إنّ 27 مدنياً على الأقل قُتلوا بالإضافة الى جرح العشرات في ضربات جوية نفذتها طائرات على بلدات ومدن شمال حمص، وليس حماه، وشكّكت مصادر أميركية رسمية بأن تكون الضربات استهدفت أراضٍ يسيطر عليها داعش.

وكانت وكالة “إيتار تاس” الروسية قد نقلت خبر موافقة المجلس الفيدرالي الروسي على طلب تقدّم به بوتين من أجل استخدام الجيش في سوريا، لكنّها أضافت أنّ روسيا سوف تكتفي باستخدام قوتها الجوية في سوريا ولن ترسل أي جيوش لها على الأرض.

بدورهم يرى محللون أنّ هذه التطورات تُظهِر بوضوح أنّ وجود روسيا العسكري في سوريا بعيد كل البعد عن المساعدة في القتال ضد داعش، وبأنّه لا يساهم إلاّ في تعقيد صراع زعزع أصلاً الاستقرار في المنطقة.

“وجود روسيا في سوريا يخلق أيضاً إئتلافا بديلاً ضد داعش قائمًا على التحالف الشيعي بين كل من إيران، والعراق، وحزب الله اللبناني والميليشيات العلوية السورية”، وفق ما قال لـNOW رئيس مركز تحليل النزاعات والإنذار المبكر، أيوليان شيفو، وأضاف: “هذا يهدّد بالاصطدام مباشرة مع مصالح القوى الغربية، ودول الخليج وتركيا. نحن نقوم فقط بالمساهمة في المزيد من الاستقطاب في نزاع إقليمي نما إلى درجة أنّه بات يشكّل خطراً على المستوى الدولي”.

وقال شيفو أيضاً إنّ روسيا لن تنشر جيوشها على الأرض لقتال داعش لأنّ بنيتها العسكرية، وأنظمة دفاعها المضادة للصواريخ وقدراتها البحرية لن تجدي نفعاً مع المجموعة الإرهابية هذه، “الأمر يتعلّق بتعزيز روسيا من وجودها العسكري شرقي البحر المتوسط”.

لماذا تواجد روسيا في سوريا؟

من الواضح بأنّ روسيا عزّزت من وجودها على الأراضي السورية خلال الأسابيع القليلة الماضية، لكن وفقاً للمرصد السوري قد يكون هناك الكثير من التعاون بين الجيش الروسي والحكومة السورية.

ونقلت قنوات المعارضة السورية عن ديبلوماسيين أوروبيين ذكرهم لمعلومات مسرّبة تشير الى أنّ روسيا قد حدّت من تواصلها مع النظام السوري فيما يتعلّق بمواقع المعارضة السورية أو مقاتلي داعش، على الرغم من أنّ النظام طلب الحصول على مثل هذه المعلومات في مناسبات عدة. وقيل كذلك إنّ الجيش الروسي قرّر طرد كافة موظفي الجيش السوري من مطار اللاذقية.

ويقول شيفو إنّ الوجود الروسي في سوريا هو نتيجة طموح بوتين لإعادة التـأكيد على الاتحاد الروسي كقوة عالمية، وأضاف: “الاتحاد الروسي يدير طموحاته المتعلّقة بالقوة العظمى. يقوم الاتحاد الروسي ببناء قوته في المجال الأوروبي- الأطلسي من خلال معارضة أي خيار يتّخذه الغرب. ما وضعه الاتحاد الأوروبي في غرب سوريا هو قوة عسكرية إقليمية تعيق أي مصالح غربية في المنطقة وسوف تخلق مشاكل للدول المجاورة، بما فيها تركيا، وقبرص، وحتى إسرائيل”.

مقاربة غربية ضعيفة للإرهاب

على الرغم من مزاعمها، فإنّ روسيا تحارب داعش بشكل خجول مثلها مثل الولايات المتحدة. في جلسة أمام اللجنة البرلمانية للشؤون الخارجية، قال طوماس جوسلين، المسؤول الكبير في مؤسسة الدفاع عن الديمقراطيات، إنّه “على الرغم من بعض النكسات التي لاقتها على يد الإئتلاف الجوي بقيادة الولايات المتحدة والقوات الكردية البرية في وقت سابق من هذا العام في شمال سوريا، لم تعانِ منظمة أبو بكر البغدادي من أي ضربة كبيرة لها حتى الآن”، مضيفاً: “قد أعتبر بأنّه لا يوجد حالياً أي استراتيجية شاملة معتمدة. إنّ تدخّل الغرب خاص، تكتيكي، ويدل على ردة فعل”.

يقول جوسلين إنّ قتل قادة كبار وضرب أهداف هامة أخرى ليس كافياً لهزيمة الدولة الإسلامية أو القاعدة. العالم الغربي لم يتعلّم حقاً من دروس قتال القاعدة في العراق من خلال القضاء على قادتها، وقد قُتل العديد من قادة القاعدة في العراق، بينهم مؤسسها أبو مصعب الزرقاوي في ضربات بين عامي 2006 و2010، لنرى لاحقاً البغدادي يستلم القيادة ويعمل على تنمية داعش ليصبح ما هو عليه اليوم، ويتابع: “هذه المنظمات ليست مبنيّة بشكل هرمي، بحيث تتخذ بعض الشخصيات الهامة كافة القرارات المهمة بشكل يومي، لقد قاموا لدواعٍ عملية بتطوير بنى قيادية أكثر فعالية، أعطيت فيها المسؤوليات الكبرى الى الصفين الثاني والثالث من كوادرهم القيادية”.

ليست مجموعة إرهابية عادية

تنبع خطورة الدولة الإسلامية من كونها تعمل كما يدل عليها اسمها- كدولة. فهي ليست مجموعة مسلّحة، ولكنّها المنظمة المسلحة الأولى التي تحوّلت الى دولة، وهي بذلك تستخدم الإرهاب بشكل مختلف عن أي منظمة مسلحة أخرى. “إنّها تفهم طريقة عمل النظام السياسي العالمي وتقتنص الفرص التي تبرز أمامها”، قالت لوريتا نابوليوني، كاتبة The Islamist Phoenix، وهو كتاب عن كيفية تمكّن داعش من تحقيق نجاح باهر على الصعيد الاقتصادي.

وتقول نابوليوني إنّ لدى مقاتلي داعش استراتيجية جيدة لتوفير خدمات لأهالي المناطق التي يقوم بغزوها- فهو يقوم بإصلاح الماء، والكهرباء، والأسواق، وحتى ينظم دفع حسنات للفقراء، من خلال نظام ضريبي معيّن.

“الجميع يدفع ضرائب للدولة الإسلامية، على غرار أي دولة حديثة أخرى”، قالت نابوليوني لـNOW، وأضافت: “المهرّبون يدفعون ضرائب، أصحاب الأعمال المحلّيون يدفعون ضرائب. وحتى الأشخاص الذين يقطعون الحدود ويتركون سوريا عليهم أن يدفعوا ضريبة على الحدود. هكذا يحصلون على الكثير من الأموال”، مشيرة إلى أنّ “الطريقة الوحيدة للحد من الاكتفاء الذاتي الذي تتمتع به المجموعة هو حملة عسكرية برية عليها”.

لكن لا الإئتلاف الغربي ولا روسيا يرغبان في المشاركة في مثل هذه المغامرة العسكرية الواسعة. “في حال تمّت الحملة العسكرية، لن تتمكن الدولة الإسلامية من الاستمرار”، كما قالت، “لكنهم يعلمون بأن أي حملة لن تتم. يعلمون كيفية عمل العالم الغربي. أعتقد بأنّ الدولة الإسلامية جاءت لكي تبقى وبأنها ستزعزع استقرار المنطقة بأكملها، ليس بالضرورة من خلال غزو مناطق جديدة وتوسيع بقعة وجودها، ولكن من خلال مجرّد وجودها”.

آنا ماريا لوكا تغرّد على تويتر @aml1609

هذا المقال ترجمة للنص الأصلي بالإنكليزية

(ترجمة زينة أبو فاعور)

موقع لبنان ناو

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى