لماذا سقط الأخوان سريعا؟: علاء الدين الخطيب
علاء الدين الخطيب
هذا سؤال يحتاج لبحوث ودراسات معمقة وطويلة. لكننا هنا سننظر للمسألة من وجهة نظر خاصة ومبسطة تبسيط المنطق الموضوعي وليس تبسيط التسطيح العاطفي.
عند اندلاع ثورة مصر الأولى على نظام مبارك وبلسان قادات الإخوان كانوا بين المتفاجئين والغير مصدقين أن شعب مصر يمكن أن يثور على نظام عسكري أمني مؤسس بقوة من 1952. ولولا الانخراط العفوي لشباب الإخوان المسلمين مع أشقائهم شباب وشابات مصر لربما تأخرت حركة الإخوان بالانضمام للثورة بما كان قد ينقذها من هذا السقوط المدوي. بالواقع لقد ورط شباب الإخوان قياداتهم بانخراطهم التلقائي في الثورة. وهذا ما كان، لقد سارع قادات الإخوان لركوب موجة الثورة مع جوقتهم من شيوخ معممين مملوئين بأفكار سطحية عن معنى الدولة الحديثة والمؤامرات الكونية المخيفة على “الإسلام” واستعادوا بالتدريج سيطرتهم على شباب الجماعة. ثم دخلوا لعبة شد الحبال مع العسكر والسلفيين والليبراليين والعلمانيين وبقايا نظام مبارك وقادوا معركتهم بحنكة سياسية شديدة المكر وبتنقل سريع بالتحالفات من أقصى اليمين لليسار من العسكر للمدنيين للسلفيين المعتدلين للأكثر تطرفا.
النقطة أو المحور الأهم الذي نسيه قادات الإخوان ونرجح أنهم عجزوا عن التعامل معه هو “ماذا يعني دولة حديثة في القرن 21، و80 مليون إنسان ممتدين بعقولهم وقلوبهم وبطونهم على شاطيء النيل من أسوان للمتوسط، وماذا يعني أن مصر أكبر دولة عربية وإفريقية”. هذه المؤسِسات الإشكالية لمصر هي التي أدت لانهيار نظام مبارك، ولسوء حظ الإخوان ومنظريهم أنهم لم يدركوا كيفية التعامل مع هذه المؤسِسات فلم يتوقعوا أن يجدوا أنفسهم فجأة بمواجهة خيار ” أنتم أكبر حزب سياسي منظم بعد حزب مبارك بمصر وها هي فرصتكم لتحكموا أرض الكنانة”. لقد أتقن الإخوان كحزب سياسي العمل السري خلف الكواليس وبناء المعاهدات السرية والتمويلات الغيبية لمشاريعهم وبنفس الوقت كيفية نقض العهود والإلتفاف على القوانين مثل أي حزب سياسي آخر، لكن يبقى الأهم أنهم أتقنوا كيف يجيشون الإعلام-المسجدي الإسلامي لصالحهم. وبهذه المواهب المتميزة كحزب سياسي بما يعني عموما من فنون الانتهازية واللف والدوران وكحملة لاسم الله والإسلام استطاعوا ودون عناء كبير كسب البرلمان والرئاسة والسيطرة على أجهزة الدولة خاصة أن الدعم السخي القادم من قطر بشكل مباشر ومن السعودية عبر السلفيين دفعهم بقوة كبيرة أمام قوى الثورة المصرية الأساسية الليبرالية والإسلامية الشبابية المعتدلة، فهؤلاء تركهم الغرب والشرق أيتاما على مائدة “الإيلام”.
استلموا السلطة دون رؤية واضحة لكيفية بناء دولة حديثة في مركز السوق العالمي والصراع الدولي. بل اكتفوا للأسف بعقلية الشيخ رجل الدين الفقيه وبأقصى الأحوال بعقل الشيخ المفكر ضمن قيود الكهنوت الديني مثل فكر سيد قطب و حسن البنا. فلم يتعلموا أن مؤسسي دولة المسلمين الأولى التي تعتبر المثال الأنصع وهم الشيخان أبو بكر وعمر لم يكونا أكثر الصحابة فقها وفتوى. فكل علماء المسلمين يعلمون أن من كان يفتي للناس هم بضعة من الصحابة لم يقتربوا يوما أو فكروا بالاقتراب من الحكم وأشهرهم عبد الله بن عباس وعمار بن ياسر والسيدة عائشة أم المؤمنين. ربما كان علي بن أبي طالب هو الاستثناء الوحيد ومع ذلك ومهما كان موقفنا فهو فشل كحاكم سياسي في الحفاظ على الدولة لأنه كان أقرب للفقيه منه للسياسي الحاكم. إن الفرق الأساسي بين أبي بكر وعمر وبين الباقي ليس التقى والمكانة الدينية بل شخصية وعقل كل منهم. تأسيس الدولة وبنائها لا يقوم فقط على النوايا والقلوب بل يقوم أولا على الوعي العميق بمتطلبات الدولة والحكم وبعد النظر والرؤية الواسعة للشعب وللمحيط الدولي.
إن سقوط الإخوان المسلمين في مصر ولاحقا في سورية وتونس هو نتيجة طبيعية لتلك القفزة الغير طبيعية التي حققها الإسلام السياسي مثل قرينه القومي العربي في بضعة عقود عجاف من تاريخ هذه المنطقة. فالإسلام السياسي استند لدعم مالي وإعلامي وسياسي هائل من المال النفطي العربي والإيراني ولدعم من تحت الطاولة من قبل الغرب السياسي في صراعه المستمر مع شرق العالم الذي كان سوفييتيا وصينيا ثم صار روسيا وصينيا. إن سقوط الإخوان المدوي هذا لا يختلف عن سقوط الحزب الوطني المصري أو البعث السوري والعراقي إلا في المدة الزمنية. فالأخرون من قوميين كانوا محظوظين بقدومهم للحكم في فترة كان الزمن يمشي فيها ببطء نسبي مقارنة بسرعة الزمن في الألفية الثالثة. القفز في الهواء الغير مدروس سيؤدي حكما للسقوط، ولربما هذا ما يقض مضاجع الحكم الخليجي الآن لأن مكانته الحالية كانت أيضا نتيجة قفزة مفاجئة غير محسوبة.
تسعيد أصالة التطور التاريخي والحضاري مالكها الأساسي وهو “الشعوب” التي لأول مرة عبر التاريخ الإنساني تستلم زمام المبادرة لصناعة التاريخ ولا تسلم نفسها للسلاطين. ومع سقوط الإخوان من البديهي القول أن من سقط هو حزب سياسي وقادات ومن سينتصر بالنتيجة هو الشعب والإسلام الحقيقي الكامن بقلوب هذه الشعوب وليس الكامن بمذكرات رجال لم يميزوا بين الله ودينه وبين صعود المنبر ورؤية الناس من فوق.