لماذا لن يؤدي إيقاف المساعدات للمجتمع المدني إلى إضعاف «هيئة تحرير الشام» في إدلب؟/ لينا الخطيب
هناك نقاش متنام في دوائر السياسات الدولية حول مدى سيطرة «هيئة تحرير الشام» في محافظة إدلب. وتعتبر الهيئة حالياً أقوى فصيل مسلح في المنطقة، بعد أن عززت سيطرتها العسكرية على إدلب بعد هزمها «أحرار الشام» هناك قبل أسابيع قليلة. تقود المخاوف الدولية حول الهيئة بعض البلدان الغربية إلى النظر في إيقاف جميع أشكال الدعم لمنظمات المجتمع المدني في إدلب كوسيلة غير مباشرة للضغط على الهيئة. لكن قطع مساعدات المجتمع المدني سوف يصب في مصلحة الهيئة.
انتصار الهيئة السريع ضد «أحرار الشام»، وقبل ذلك، ضد جماعات الجيش السوري الحر، هو أكثر ارتباطاً بضعف قدرات تلك الجماعات من قوة الهيئة نفسها. فـ «أحرار الشام» تواجه انقسامات داخلية بين قادتها. بعضهم يعتقد أن اتباع أيديولوجية الهيئة يعني أنها لا ينبغي أن تحارب الهيئة. فيما يعتقد آخرون أن الأحرار يجب أن تتحول إلى حزب سياسي وتقطع كل العلاقات مع الهيئة. هذا الانقسام يعني أن الحركة لا يمكن أن تصمد أمام هجمات الهيئة. من جهة أخرى، واجهت مجموعات الجيش السوري الحر قطعاً في التمويل من الولايات المتحدة، ما أدى إلى انخفاض شديد في قدراتها العسكرية تجاه النظام السوري وحلفائه ودفع بعض أعضائها للانضمام إلى مجموعات أخرى، بما في ذلك الهيئة في بعض الحالات، في محاولة للحفاظ على الدخل.
لكن سيطرة الهيئة العسكرية على إدلب لا تعني أنها مسؤولة عن جميع جوانب الحياة في المحافظة. فلم تتمكن المجموعة من غرز جذور عميقة في المناطق الواقعة تحت سيطرتها. ومع تزايد حدة الصراع السوري، فإن سكان إدلب أكثر ميلاً إلى الثقة في جماعاتهم المسلحة المحلية من الهيئة. عندما قام المكون الرئيسي للجماعة، الذي كان يعرف آنذاك باسم «جبهة النصرة»، بالبروز مرة أخرى في ربيع 2015 بعد أن كان أضعفه «داعش»، حشد الدعم على أساس تقديمه حماية للشعب من النظام السوري. ولكن أساليب النصرة العنيفة لفرض السلطة في المناطق الخاضعة لسيطرتها بدأت في إحداث النفور بسرعة بين الناس، الذين حولوا ثقتهم نحو مجموعات مسلحة محلية تتألف من أقاربهم وجيرانهم بدلاً من الهيئة.
في إدلب، استولت الهيئة على مرافق الكهرباء والمياه، التي توفر لها مصدراً رئيسياً للدخل ولكن أيضاً آلية للسيطرة على السكان. فالكثيرون يلتزمون بأوامر الهيئة بسبب إمساكها بهذه الموارد الرئيسية، لا لأنهم يتفقون مع أيديولوجيتها أو أساليبها. ومنذ عام 2015، يقوم سكان إدلب بتنظيم احتجاجات عامة ضد جبهة النصرة، والآن الهيئة. ولا تزال الاحتجاجات ضدها مستمرة، حيث تلعب جماعات المجتمع المدني دوراً رئيسياً في هذه العملية.
تدرك الهيئة عدم القبول بها، وتحاول محاربته بطرق مختلفة. وقد حاولت أولاً أن تتولى مؤسسات الحكم المحلي في إدلب مثل المجالس المحلية ومجلس المحافظة، لكنها واجهت مقاومة قوية. ثم حاولت التسلل إلى تلك المجالس من خلال طرح بعض أعضائها كمرشحين في الانتخابات المحلية، ولكن مرة أخرى فشلت إلى حد كبير. وقد تحولت الآن إلى إنشاء هيكل إدارة موازية تطلق عليه تسمية «الإدارة المدنية»، ولكن هذه المبادرة لم تحظ بتأييد واسع في إدلب. وتلعب منظمات المجتمع المدني في إدلب دوراً محورياً في هذه المقاومة العامة، من خلال عقد دورات لتعليم السكان حول قيم المواطنة، إلى مبادرات لدعم تمكين المرأة السياسي، إلى الأنشطة الرامية إلى دعم إجراء الانتخابات المحلية الحرة والنزيهة.
وكان الدعم الأجنبي المقدم إلى جماعات المجتمع المدني في إدلب حاسماً لتمكين هذه المجموعات من الاستمرار في العمل، على رغم أن العديد منها يتعرض لضغوط متزايدة من الهيئة اليوم بسبب صلاته الخارجية. وقد أدى ذلك ببعض المنظمات غير الحكومية إلى التوقف عن العمل داخل المحافظة والحد من أنشطتها للعمل فقط في تركيا حيث توجد مقارها الرئيسية. ولكن معظم المنظمات غير الحكومية في إدلب ما زالت نشطة وتريد الاستمرار.
والحجة التي قدمتها الدول الغربية في اعتزامها قطع التمويل لهذه المنظمات غير الحكومية، أنه على الرغم من أن هذه المنظمات غير الحكومية ليس لديها روابط مع الهيئة، فإن توفير المنظمات الخدمات للسكان المحليين يسهل على الهيئة حكم إدلب. فقد وجدت الهيئة صعوبة في السيطرة الكاملة على الإدارة في المحافظة. وتذهب حجة هؤلاء المانحين الغربيين إلى أن الهيئة قد سلمت معظم المهمات الإدارية إلى المؤسسات المدنية وإلى السكان والمجموعات المحلية، لأن مسؤولية هذه المهمات تتسبب في ضغط كبير على قدرتها. ووفقاً لهذه الحجة، فإن قطع التمويل عن المجتمع المدني سيجبر الهيئة على محاولة سد هذه الفجوة، ولكن بسبب افتقارها للقدرات، فإنها سوف تفشل في تقديم الخدمات اللازمة، ما سيسبب استياء واسعاً النطاق ضدها، الأمر الذي من شأنه أن يضعف إمساكها بإدلب ودفعه للانهيار.
لهذه الحجة إشكالية كبيرة. إذا تم خفض المساعدات الخارجية، فإن الهيئة سوف تستخدم هذا السيناريو لحشد الناس إلى جانبها من خلال القول إن الغرب لا يمكن الوثوق به. وستواصل توجيه الموارد إلى فصائلها الرئيسية، واستخدام تظلّم الناس كوسيلة لجذبهم إلى صفوفها. وسوف تقدم نفسها لسكان إدلب باعتبارها الخيار الوحيد المتاح في الكفاح ضد النظام السوري على أساس أن الغرب قد تركهم، وبالتالي تحالف بطريقة غير مباشرة مع النظام.
قبل اتخاذ أي إجراءات جذرية من الجهات المانحة الغربية في ما يتعلق بالمجتمع المدني في إدلب في مسار جهودها للحفاظ على مصالحها الخاصة في سياق مكافحة الهيئة في المحافظة، يجب عليها إجراء تحقيق أعمق في ديناميات عمل الهيئة على الأرض وكذلك المجتمع المدني في المنطقة، وإلا ما يقصد بأن يكون وسيلة لمكافحة الهيئة سيساهم في نهاية المطاف في تحقيق النتيجة العكسية تماماً.
* مديرة برنامج الشرق الأوسط في «شاتام هاوس» – لندن
الحياة