لماذا نكتب … جورج اورويل وأهم دوافع الكتابة
ترجمة ميسون أبو الحب
قيل الكثير وكتبت مقالات وألفت كتب عن موضوعة الكتابة والأدب وكلها سعت وتسعى إلى معرفة الدوافع الحقيقية وراء تكريس أشخاص معينين حياتهم ووقتهم للتعامل مع أفكار وكلمات وجمل والتفنن في تكوينها لتعبر عن رؤية ما رغم أن الكاتب لا يخترع كلمات في العادة بل يبتكر أفكارا وجملا وصيغا جديدة.
من هؤلاء الكاتب البريطاني جورج اورويل الذي حقق شهرة عالمية واسعة بفضل اثنتين من رواياته بشكل خاص هما “1984” التي كتبها في عام 1949 و”مزرعة الحيوان” وكتبها في عام 1945. وفي عام 1946 نشر كتابا تحت عنوان “لماذا أكتب” تضمن عددا من المقالات يحمل أحدها العنوان نفسه وتطرق فيه إلى فعل الكتابة شارحا ما يعتقد أنها الدوافع الحقيقية وراء هذا الفعل والإبداع فيه.
لخص اورويل هذه الدوافع في أربع نقاط قال إن أهميتها تتفاوت من كاتب لآخر وأولها هو حب الذات ورغبة الكاتب في أن يبدو ذكيا أمام الآخرين وفي كسب اهتمامهم وجعلهم يتحدثون عنه وتحقيق نوع من الخلود بعد الموت إضافة إلى الرغبة في الانتقام من كبار كانوا يسيئون معاملة الكاتب في صغره. وفسر قائلا إن البشر أنانيون بشكل عام ولكن الكتاب والعلماء والفنانين والسياسيين والمحامين ورجال الأعمال الناجحين تتجذر فيهم الأنانية أكثر من غيرهم رغم أن هذا لا يعني أن الأدباء يسعون دائما إلى تحقيق مكاسب مادية بل على العكس، أغلب الكتاب الجادين لا يعولون على أعمالهم لكسب المال.
الدافع الثاني في نظر اورويل هو ما أسماه بالحماس الجمالي إذ تحدث عن “إدراك الجمال في العالم الخارجي، أو من ناحية أخرى في الكلمات وترتيبها الصحيح” وعن “الرغبة في مشاركة تجربة يشعر المرء أنها قيمة” وأضاف شارحا أنه “لا يوجد كتاب يخلو من الإعتبارات الجمالية”.
دافع اورويل الثالث للكتابة يتعلق بما أسماه “الحافز التاريخي” متحدثا عن رغبة في رؤية الأشياء كما هي بهدف “اكتشاف حقائق صحيحة وحفظها من أجل استخدام الأجيال القادمة”.
أما الدافع الرابع فهو الهدف السياسي. ويقول اورويل إنه يستخدم هنا “كلمة سياسي بأشمل معنى ممكن، الرغبة في دفع العالم في اتجاه معين لتغيير أفكار الآخرين حول نوع المجتمع الذي ينبغي عليهم السعي إليه”، وهو يؤكد أنه لا يوجد كتاب يخلو من التحيز السياسي ويقول “الرأي القائل إن الفن ينبغي ألا يربطه شئ بالسياسة هو بحد ذاته موقف سياسي” ويضيف متحدثا عن تجربته الشخصية “حينما افتقرت للقصد السياسي كتبت كتبا بلا روح وخدعت بجمل قرمزية وجمل بلا معنى وصفات تزيينية وهراء بشكل عام”.
صراع مرهق
ويؤكد اورويل في مقالته “كل الكتاب معتزون بأنفسهم وأنانيون وكسالى وفي قاع دوافعهم يكمن غموض ما. تأليف كتاب هو صراع رهيب ومرهق كما لو كان نوبة طويلة من مرض مؤلم. ولن يحاول المرء القيام بشيء كهذا أبدا لو لم يكن مدفوعا بشيطان ما، لا قدرة له على مقاومته ولا فهمه وقد تكون الغريزة ذاتها التي تجعل رضيعا يصرخ من أجل أن يحظى بالانتباه”.
غير أن اورويل لم يكتف بشرح ما اعتقد أنها دوافع حقيقية للكتابة بل تجاوز ذلك إلى تقديم نصائح أو وصايا لمساعدة الكاتب على أن يكون كاتبا جيدا وجادا ومبدعا. ومن هذه الوصايا: تجنب استخدام الإستعارة أو التشبيه أو أي صيغة بلاغية أخرى (لا ينطبق هذا على اللغة العربية القائمة أساسا على صيغ البلاغة)، وتجنب استخدام كلمات طويلة وإبدالها قدر المستطاع بكلمات أقصر تحمل المعنى نفسه. الايجاز قدر الإمكان وتجنب استخدام صيغة المبني للمجهول ما دام في الإمكان استخدام المبني للمعلوم. تجنب استخدام كلمات أجنبية أو علمية أو ذات رطانة واستبدالها بكلمات يومية نظيرة لها.
تركة اورويل
لم يمض اورويل فترة طويلة على سطح الأرض إذ توفي في سن السادسة والأربعين وكان قد أمضى مجمل تلك السنوات في حالة معيشية شبه بائسة إذ عانى من الوحدة في طفولته ولم يمض الكثير من الوقت مع والده وهو ما ترك في نفسه حزنا عميقا وجعله يخلق لنفسه عالما خاصا مليئا بالوحوش والكائنات الغريبة التي كان يتعامل معها ويتفاعل. وبعد تجاوز الطفولة بدأ يشعر برغبة عارمة في الكتابة غير انه لم يقرر أن يكرس لها وقته إلا في وقت لاحق جدا ذلك أنه كان في حاجة إلى كسب قوت يومه ولذا انخرط في أعمال عديدة كان بعضها يدويا ويوميا صعبا إذ عمل مثلا في غسيل الصحون في مطاعم كما عمل شرطيا ضمن القوات البريطانية في بورما ولكنه كرس بعض الوقت ايضا للعمل في مجال التعليم.
جورج اورويل ليس اسم هذا الكاتب الحقيقي بل هو أريك آرثر بلير وقد ولد في الهند.
تميز اورويل باهتمامه بالفقراء بشكل خاص وبالإشارة إلى انعدام العدالة في العالم وإلى القسوة التي جبلت عليها البشرية بشكل عام وهو ما ظهر واضحا في مجمل كتاباته.
اورويل هو الذي صاغ مصطلحي “الأخ الأكبر” و “الحرب الباردة”.