صفحات العالم

لماذا يتوجّب على فرنسا أن تتدخل عسكرياً في سوريا؟


هناك أسباب وجيهة تدفع فرنسا لإرسال أقوى ما عندها من عناصر عسكرية الى سوريا.

العمليات العسكرية التي خاضها جيشنا خارج البلاد، ألم تكن نتيجتها نجاحا مبهراً؟

فلنأخذ افغانستان مثلا: بضعة سنوات من الوجود العسكري في كابول كانت كفيلة بتحويل هذا البلد الى ديموقراطية سعيدة، نزيهة وهادئة. ففي كل بيت من بيوت أفغانستان تسكن عبادة الجندي الفرنسي والحب العارم له. في السوق، كما في المسجد فان مظليي وتقنيي الجيش الفرنسي هم أيقونات الحية. وراء كل هذه المشاعر الطيبة سبب جوهري: هو إعتراف الأفغان بجميل جنودنا، لما أنجزه هؤلاء من أجل أفغانستان والأفغان. فالحياة اليومية في أفغانستان هي نموذج يحتذى لكل جيرانها بل للعالم بأسره: نموذج من التوازن والاعتدال. بكلمة واحدة، ان افغانستان اليوم هي نموذج للتسامح. شوارع كابول هي بهدوء شوارع باريس نفسه في شهر آب. والنساء هناك يرتدين الميني جوب و»التوبات» العارية الكتفين، يتشمّسن في الحدائق والمطاعم في الهواء الطلق. النساء هناك يدخن سجائر «الجيتان» ويشربن البيرة ويضحكن على سكيتشات أحدهم التي تذيعها مكبرات الصوت. السجال الفكري في ذروته، ورسائل الدكتوراة حول الفيلسوف الالماني نيتشه والروائي الماركيز دي ساد، أو حول «ألف ليلة وليلة»، تتكدّس في مكتبات عميد جامعة كابول؛ حيث تنظَّم أيضا مهرجانات الأفلام الرائدة ومعارض البينيالي الفني وأعياد الكتب الإلحادية في كندوز: كل هذه الفعاليات الثقافية، هل كان ممكن حصولها لولا تدخّل الجيش الفرنسي؟

أما ليبيا، فماذا نقول عنها؟ بعد أربعة عقود من الديكتاتورية الكافكاوية، باتت البلاد تتنفس أخيراً هواء ديموقراطياتنا الغربية. هل كان كل ذلك ممكنا لولا ردّة الفعل العسكرية السليمة للـ»ناتو» بإيعاز من الرئيس الفرنسي السابق نيقولا ساركوزي؟ فمنذ قيامها، هذه الحملة، وليبيا تنعم بمناخ من السلام والتعايش، ويسود الازدهار والفرح في طرابلس الغرب وبنغازي… ومشاريع اقتصادية كلها خلاقة: شركة تاكسيات في طبرق وانعدام البطالة والإنجازات الرياضية والاقتصاد العائد الى الحياة من جديد. ولا فوضى على الاطلاق في دوائر الشرطة والمؤسسات الرسمية.

بخصوص العراق الآن؛ الجميع في فرنسا يعلم بأن فرنسا لم تشارك في المجهود الحربي الذي أقرته الاسرة الدولية بغية طرد صدام حسين من السلطة. ولكن، نظراً للنتائج الرائعة التي توصل اليها الجيش الاميركي، فان بلادنا اليوم نادمة على عدم المشاركة في الحملة على صدام. فبغداد عادت مركزاً شرقيا مضيئا، موئلا للسلام العريق، والبحث العلمي والحياة الجامعية الزاخرة، ونتاجات أدبية موسمية.

الأمر نفسه ينطبق على ساحل العاج، حيث تدخلت القوات المسلحة الفرنسية لتحسم الصراع بين الرئيس المنتخب الحسن واتارا والرئيس المنتهية ولايته لوران غباغبو. ومنذ ذلك الوقت وساحل العاج ينعم بالسعادة والنشوة، فيما أنصار الرئيس لوران غباغبو الذين يشكلون أقل أو أكثر من 50 بالمئة من أصل الذين اقترعوا في الرئاسيات، فهم وضعوا نهاية لخلافاتهم مع الرئيس الجديد الحسن واتارا، ونسوا العداوات والمجازر، وتراهم يمشون جنبا الى جنب، يدا بيد، نحو مستقبل مشرق.

يمكننا الذهاب بعيداً في الأمثلة التاريخية للتدخل العسكري الفرنسي: في الهند الصينية وفي قناة السويس والجزائر، وحديثاً في مصر والمكسيك….

هكذا، سوف نبلغ النتيجة نفسها: خارج حدوده، تسبّب الجيش الفرنسي بالآلام والأضرار… بالكثير من الآلام والأضرار.

مارك فينيو

[إفتتاحية مجلة «لوبوان» الفرنسية (14 حزيران 2012)

المستقبل

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى