لماذا يثور الشعب السوري ضد النظام ؟
فاتح الشيخ
إن الشعب السوري العظيم المصمم على تحقيق تحرره وحريته ، من خلال رفضه لثنائية الاستعمار والاستبداد معاً ، هو الشعب الذي قاوم الانتداب، بكافة قواه وأعراقه وأديانه وطوائفه ، وخاض ضده مئات الثورات والتمردات والاحتجاجات لمدة ( 26 ) عاماً ، وقدم خلالها التضحيات الجسام ، قد استطاع إنجاز هدفه القطب ألا وهو تحقيق الاستقلال الوطني الأول بعنوانه السياسي.
وهو نفس الشعب الذي يخوض حالياً غمار ثورته الوطنية الثانية بعنوانها الديمقراطي ، بجميع تياراته وقواه الوطنية ومكوناته المجتمعية، لإسقاط النظام الاستبدادي السوري ، وبناء نظام سياسي ديمقراطي تداولي ، تمهيداً لبناء الدولة الديمقراطية المدنية
أما إذا سألت السوريين لماذا تثورون فستأتيك الإجابات التالية :
أولاً / لاسترداد سلطة الشعب ، التي سَطت عليها دبابات الفجر ، بالقوة والغلبة لعدة عقود متوالية ، وإصرار الإرادة الشعبية ممثلة بفرسان الشارع الاحتجاجي السلمي على استرداد الحرية والكرامة التي صادرها النظام القاهر.
ثانياً / عدم امتلاك الراكبون على الأوضاع القائمة لأي مشروع وطني ذي رؤية واضحة ، وبرنامج محدد ، سوى مشروع البقاء والتوريث ، واستكمال بناء جمهورية وراثية !!!
ثالثاً / بروز ظاهرة الانفصال بين المواد الدستورية والقوانين من جهة، والواقع الإجرائي – التطبيقي من جهة أخرى ، بما تحمله من انعدام لسيادة القانون والناجمة بالدرجة الأساسية عن المادة ( 8 )من دستور الحاكم ، الذي يجعل حزبه قائد المجتمع والدولة ، ويُعلي من شأن السلطة على شأن الدولة!
رابعاً / قيام النظام الحاكم باتباع سبيل النهج الاستئصالي، ضد التيارات الفكرية والقوى الوطنية المتعددة ، وفرض البعد الواحد فكرياً ثقافياً وسياسياً.
خامساً / العمل على تفكيك البنية التحتية المجتمعية ذات النسيج التعددي، للبقاء في السلطة ، من خلال ممارسة سياسة حرب الكل ضد الكل ، وإخافة المكونات المجتمعية من بعضها البعض ، والتمييز بين أبناء الشعب الواحد على أساس الدين والقومية والطائفة والعشيرة……
سادساً / ابتلاع السلطة المستبدة لمؤسسات المجتمع المدني والأهلي من أحزاب،وحركات ، وهيئات ، وجمعيات، ومنظمات ،وإفراغها من مضامينها الحقيقية.
سابعاً / قيام السلطة الحاكمة بتعميم الفساد ليصبح ثقافة شعبية !!! ورعايته اجتماعيا وإداريا واقتصادياً وسياسياً وأمنياً، والدفع باتجاه تدمير المنظومة القيمية للمجتمع ، وهو الناجم أساساً عن شيخوخة النظام ، وعدم الأخذ بمبدأ التداول على السلطة ، وما يفرزه من الحريات الكفيلة بفضح الفساد ومحاربته.
ثامناً / تسلط الأجهزة الأمنية الـ (17) على كافة مناحي حياة السوريين في الداخل والخارج ، وصولاً إلى بلوغ الأمننة التامة للمجتمع ، سياسةً واقتصاداً وثقافة ً وصحافة ً وإعلاماً وسياحة ً وسفراً وشؤوناً مدنية ً وأحوالاً شخصيةً……وفرض حالة الطوارئ لخمسة عقود متواصلة ..
تاسعاً / تَغَوُل السلطة التنفيذية على السلطتين التشريعية والقضائية ، والمشرعنة من خلال دستور الحاكم وصلاحياته المطلقة.
عاشراً / خراب العمران الوطني في شتى المجالات:
المجال السياسي : من خلال التجريف السياسي للمعارضة.
المجال الاقتصادي : والبارز تدهوره من حيث ارتفاع معدلات البطالة بكافة أنواعها بنسبة 3:1 ، ودخول الاقتصاد السوري مرحلة النمو الاقتصادي السلبي ( مما يعني أن البلد يأكل رأس ماله )
المجال الثقافي : المتمثل بإلغاء الفكر المغاير ، وادعاء امتلاك الحقيقة المطلقة ، ومنع حرية الرأي والتعبير والنشر ، وتأميم الأعلام والصحافة .
أحد عشر / تعميم الفقر على كافة الفئات المجتمعية ، واحتكار القمع والثروة من قبل أهل السلطة والمليشيات الرأسمالية (المتوحشة) المتحالفة معها، وإيصال الشعب مرحلة البؤس الاجتماعي ، المتعين من خلال التفاوت الطبقي والتهميش الاجتماعي ، حيث يحصل 10% من السوريين على 60% من الدخل الوطني في حين يحصل 90% منهم على 40% من هذا الدخل فقط والذي كانت آثاره الاقتصادية والاجتماعية والخدمية والتعليمية والصحية بالغة السوء على كافة فئات المجتمع ، نتيجة لانسحاب السلطة المنظم من كافة مهامها الاقتصادية والاجتماعية والتعليمية والصحية والخدمية في دعم ذوي الدخل المحدود ، والتي ادعت استيلاءها على الحكم من أجل تحقيقه، و رفعها لشعار العدل الاجتماعي!! وسلوكها سبيل ما أسموه بالسوق الاجتماعي أو الخصخصة ، وذلك تبعاً لغرائز الحيتان التي لا تشبع ، بدءاً من ثمانينيات القرن الماضي ، والمتجسد في التحالف الاستراتيجي بين الأجهزة العسكرية والأمنية من جهة والرأسمالية الطفيلية – القناصة – التي تتغذى على دماء الشعب من جهة أخرى ، مما يعني أن النظام انتقل مما ادعاه بمرحلة الثورة !! إلى مرحلة الثروة !!
إثنا عشر / بروز ظاهرة الهجرة للخارج ( كفاءات ، عمالة ، رؤوس أموال ) بما يمثله ذلك من نزيف حاد للقدرات الوطنية .
الخلاصة / – للتغطية على الفشل الداخلي للنظام، تقوم مليشياته الثقافية بالخلط المنهجي بين القضايا، من خلال تجاهل التحديات الداخلية، و الحديث عن التحديات الخارجية و ما يسمى بالممانعة، و عدم الاهتمام بضرورة بناء جبهة داخلية متينة لمجابهة التحديات الخارجية، حيث أنهم لم يدعموا أية مقاومة في الجولان، و لم يدعموا أية مقاومة فلسطينية، سوى فتح الدكاكين الاعلامية للمنظمات الفلسطينية في دمشق.
– إذا كان رأس النظام قد اعترف خلال لقاءاته المتعددة مع وفود المحافظات السورية عقب اندلاع ثورة الشعب الديمقراطية ، بوجود (ألف ومائة) مشكلة تعترض حياة السوريين .
فهل هذا النظام المعطوب قابل للإصلاح ؟! .. أم المطلوب إسقاطه بكامل أركانه ورموزه وتغيير المسار برمته ؟!
كاتب سوري مقيم بألمانيا