لماذا يكرهنا الغرب؟/ ممدوح عزام
في بداية عصر النهضة، انشغل المفكرون العرب بالسؤال عن السبل الممكنة لتجاوز واقع التخلّف، في حين أن غيرهم من الشعوب والأمم سجّل أرقاماً وخطوات مميّزة في سلالم التقدّم الفكري والثقافي والتكنولوجي.
لم تكن الأسئلة محيّرة حينئذٍ، وكان بوسع العديد من بينهم أن يقدّم الاقتراحات التي يراها مناسبة، أو ضرورية، لقيام النهضة العربية على كافة المستويات.
في تلك السنوات كانت الحضارة الأوروبية هي المركز الذي يشرع الفكر العربي الأبواب كي يتم النقل، أو التمثّل، أو الأخذ منه، بما استطاعت أن تحققه في جميع النواحي العلمية والفكرية من تقدّم أو تبدّل يقطع مع تقاليد العصور الوسطى، ويدخل إلى العصر الحديث بعدة جديدة تكرّس قيم المساواة والعدل والإخاء، كما تدعو إلى إنشاء مؤسسات تدعم وجود الإنسان، أو القيم الإنسانية الجديدة التي كرّستها ثورات أوروبا المتكررة طوال أكثر من مئتي عام.
مثلاً في كتابه “تربية سلامة موسى”، يضع “التنويري” المصري عناوين من طراز: “الآفاق الأوروبية تتفتح لي”، وفيه يتحدث عن حرية المرأة وحقوقها التي حصلت عليها هناك، أو في كتاب آخر سمّاه “هؤلاء علموني”، يذكر المفكرين الذين أخذ عنهم علمه ونهج تفكيره “المتحرر”، وكان معظمهم من أوروبا.
غير أن النهضة لم تتحقق، لم يحدث تبدّل جوهري في بنية المجتمع، ولم تتغيّر التقاليد القديمة بما يمكن أن يرضي أحلام المفكرين، ومضى كثيرون منهم إلى السؤال المرير الذي يحاول أن يجيب عن أسئلة الإخفاق، فكتب شكيب أرسلان كتابه الشهير: “لماذا تأخر المسلمون ولماذا تقدّم غيرهم”، وفيه يقول إن من أسباب هذا التأخر، الجهل والعلم الناقص وفساد أخلاق أمرائهم، واليأس والقنوط، وتأثير أهل الجمود وأهل الجحود. ثم يدعو إلى أخذ العبرة من أوروبا، ومن أهل اليابان أيضاً.
الغريب هو ما حدث عقب ذلك، إذ بدأت تتسلل إلى التفكير العربي بوادر جملة أخذت تشتد وتتوسّع وهي تقول: لماذا يكرهنا الغرب؟ وهي جملة غريبة يمكن لأي متصفح في محركات البحث الإلكترونية أن يجد لها آلاف النتائج، للعنوان ذاته الذي يعيد فيه الكتّاب والمفكرون العرب إنتاج السؤال عن أسباب كراهية الغرب لنا.
يبدو الغرب في تلك الأسئلة التي تخفي إجابات شبه يقينية، وحدة جغرافية وفكرية ووجدانية وسلوكية، يضمر العداء والشرّ والرغبة في تدمير الأمة. فيما تتحد نون الجماعة العربية في كل مترابط يقف على الضفة الأخرى وهي تعد نقاط كراهيته!
ثمة من يؤكد أن “العنصرية الأصيلة” في الضمير الغربي هي المسؤولة عن تعزيز كراهية الغرب لنا، تلك الكراهية التي سينجم عنها تدخل حثيث أخذ صورة المستعمر مرة، أو صورة المتآمر مرة أخرى، لإفشال أو إسقاط مشاريع النهضة العربية كافة.
في روايته “موسم الهجرة إلى الشمال”، يقول الراوي الذي يقص حكاية مصطفى سعيد: “إن سكك الحديد التي بناها المستعمر، والمستشفيات، والمصانع، والمدارس، ستكون لنا، وسنتحدث لغتهم، دون إحساس بالذنب، ولا إحساس بالجميل، سنكون كما نحن، قوم عاديون، وإذا كنا أكاذيب، فنحن أكاذيب من صنع أنفسنا”.
العربي الجديد