صفحات سورية

لمن تقرع الأجراس في سوريا ؟


أحمد فيصل الخطاب

حين خرجت رواية الروائي الامريكي الشهير: أرنست همنغواي إلى النور تحت عنوان لمن تقرع الأجراس؟

كانت الحرب الأهليه الإسبانية قد وضعت أوزارها حيث الرواية تدور حول متطوع امريكي في هذه الحرب إلى جانب الثوار المنتفضين على حكم الجنرال فرانكو والفاشيين الإسبان وهي تطرح أسئلة عديده حول لعبة الموت والحياة وجسر العبور من الموت أو الموات الروحي إلى الحياة الحقيقية والمتمثل بكلمة واحده الحرية.

لم يقدم همنغواي جوابا محددا في روايته على السؤال: لمن تقرع أجراس النعي أو الموت أو النهاية ؟

تاركا عبء ذلك على القراء والنقاد والمفسرين، وكان إختيارنا لهذا العنوان المثير لأنه يطرح بكل بساطة في مشهد الحرب الدائرة في سوريا حاليا أسئلة مشابهة – وليست مطابقة – للأسئله التي طرحت من قبل في مشهد الحرب الأهلية الإسبانية.

أجراس النهاية

منذ اللحظة الأولى التي تجرأ فيها أطفال درعا على القول بأن ‘الملك عار’ كاشفين بذلك عن حقيقة طالما تهيب الكبار في الخوض فيها، بدا واضحا للعيان أن عالما قديما ينهار وأن عالما جديدا يولد.

1 – إنها إعلان موت أو نعي الإنسان السوري القديم الخائف الخاضع الخانع، وولادة الإنسان السوري الجديد الحر والثائر.’

2 – نهاية حقبة العبودية في سوريا وبدء عصر الأنوار والحرية.

3 – نهاية سوريا القديمة المهترئة الفاسدة، المستبدة المتكلسة، المتفسخة، وبدء ولادة سوريا جديدة بكل المعايير والقيم.

إنها حقائق سطرها تاريخ الإنتفاضة السورية والتي تزداد رسوخا مع الإيام مهما حاولت الطبقة المسيطرة اليوم المعاندة والمكابرة هذه الطغمة التي ستكتشف عاجلا أم آجلا أن الحسم في الأخير ليس للمدفع وإنما للحقائق الإجتماعية و فعلها في مسيرة الإنسان.’

لقد كان النظام السوري في ممارساته القمعية وعلى مدى أكثر من أربعين عاما،يشكل مزيجا غريبا من المكارثية والستالينية والفاشية حيث تجلت المكارثية بمذبحة اليــسار السوري (وحتى اللبناني) في فترة السبعينات والثمانينات وتبدت الستالينية في الفترة ذاتها بآلاف الرفاق من الحزب ذاته الذين قضوا سنوات طويلة في المعتقلات ليخرجوا بعد ذلك بعاهات مستدامة، أو فورا إلى العالم الآخر. كما ظهرت الفاشية بأسوأ صورها في التعامل مع التيار الإسلامي خاصة ومع الشعب بصورة عامة.

وكانت المفاجأة التاريخية أنه من تحت كل هذا الركام : ركام المكارثية والستالينية والفاشية، بعث في سوريا جيل جديد، كما ينبعث طائر ألفينيق من رماده.جيل من اليمين والوسط واليسار موحد ليس حول أيديولوجية معينة وإنما حول قيم إنسانية رفيعة: قيم الكرامة والحرية والعدالة الإجتماعية.

لكن إذا كان من المؤكد أن أجراس النهاية قد قرعت في سوريا بشأن إنهيار العالم القديم فإنه لا يزال من المؤكد وحتى هذه اللحظة على الأقل’أن هناك ضرورة للإنتباه لأجراس الخطر المحيط بالوليد الجديد وعلى مستويات عدة.

أجراس الخطر

1- مستوى الحراك الشعبي: لقد بات من المؤكد اليوم أن الثورة السورية لم يخطط لها من قبل أي شخص أو حزب أو فئة وإنما كانت ‘هبة شعبية عفوية’ في وجه نظام ظالم، تحولت إلى إنتفاضة وطنية عامة. لكن إذا كان هذا الطابع العفوي دليل نقاء وطهارز فإنه مع إستمرار الزمن والقمع الوحشي يهدد بأن يتحول إلى عامل سلبي.

إن المتتبع للشأن السوري يلاحظ بسهوله تفاوت المشهد من مدينة إلى مدينة: فهذه المدينة تبدو نائمة اليوم في حين أن مدينة أخرى في حالة تظاهر وأن ثالثة في وضع إضراب شامل أو جزئي.

هذا التبعثر والتداخل ليس في مصلحة الثورة على المدى البعيد، ولقد آن الأوان لأن تكون هناك قيادة مركزية واحدة في كل مدينة للحراك الشعبي وقيادة مركزية واحدة للحراك الشعبي على مستوى القطر كله.

قياده تضع استراتيجية موحدة من مراحل ثلاث أساسية:’

مرحلة التظاهر، والإنتقال بعدها بشكل موحد إلى مرحلة الإضراب العام في كافة المدن السورية، وإنتهاء بإعلان العصيان المدني الشامل والذي هو سلاح رهيب أثبت فعاليته في غير ثورة في العالم.

2- على صعيد الجيش الحر: سوف يقول التاريخ ربما يوما أن ظاهرة الجيش السوري الحر هي أنبل ما أفرزته الثورة السورية، حيث يفضل – وفضل كل فرد فيه أن يتعرض لخطر الموت بل يفضل أن يموت هو فعلا، على أن يكون السبب في موت طفل سوري أو شيخ أو امرأة أو رجل مسالم. لكن المشكلة هي في مكان آخر فقد بدا وبعد مرور كل هذه المدة، أن كل منطقه عسكرية حرة تتصرف على هواها وأن هناك مجموعات دون أي تنسيق بينها. وبدا واضحا أن كل قائد عسكري حر يتصرف بحرية في منطقته دون تنسيق حقيقي مع الآخرين.

لقد آن الأوان اليوم ودفعا لأية أخطار مستقبلية محتملة، أن يكون للجيش الحر في الداخل قيادة مركزية واحدة، وأن يكون له مثل هذه القيادة المركزية في الخارج، وأن يتم التنسيق التدقيق وعلى أعلى مستوى بين هاتين القيادتين، على أن يراعى في كل ذلك ‘التراتبية العسكرية’ وقيم الجندية الحقيقية في الإنضباط والتضحية والشرف العسكري.’

وبكلمة فإن الصورة التي يتعين على الجيش الحر أن يقدمها عن نفسه يجب أن تكون الصورة النقيض للجيش الإنكشاري التابع للنظام والمؤلف اليوم بشكل رئيسي من برابرة جدد تغذيهم عصبياتهم القبلية، ومن الآلاف من عناصر الأخطبوط الأمني الرهيب الذي أنشب براثنه على مدى عقود إستبدادا وفسادا في جسد المجتمع السوري الجريح وأخيرا وليس آخراً، من الآلاف من الشبيحة المرتزقة، لطخة العار المشينة في التاريخ السوري الحديث.’

3- على مستوى المعارضة السياسية هنا يبدو المشهد مختلطا، ملتبسا، وحتى أحيانا مشبوها.

لقد برز مع بدء الثورة معارضون جدد حقيقيون إلى جانب المعارضين التقليديين الصادقين، لكن مع هؤلاء برز في مقدمة المسرح أحيانا بهلوانات ومشعوذون وباعة أوهام وأحلام وأشخاص ليسوا أكثر من ‘بالونات إعلامية منفوخة’ لا تمثل في الشارع السوري أي وزن حقيقي أو رصيد شعبي. والأخطر من كل ذلك وجود جيش صغير من المرتزقة يحاولون كسب المال على ظهر الثورة وبإسم الثورة لكل حرب ضحاياها: ‘ضحايا الحروب’ لكن لكل حرب كذلك تجارها: أثرياء الحروب ويبدو وأن ‘الحرب السورية’ ليست أستثناء في هذا المجال.

إن عملية فرز حقيقي في المعارضة لا بد أن تتم الآن وقبل فوات الأوان. ولا بد من التوصل على مستوى الداخل كما على مستوى الخارج إلى تشكيل قيادة مركزية موحدة ‘نوع من الجبهة’ تمثل أمام الرأي العام السوري والدولي الغطاء السياسي الحقيقي للثورة السورية.

إن الصوت بلا صدى هو كمن يصرخ في البرية وإذا كان الحراك الشعبي مع الجيش الحر هو صوت الشعب السوري الحي، فإن المعارضة عليها أن تكون الصدى الصادق لذلك الصوت الهادر وحين يتساوق الصدى مع الصوت، تصبح الرسالة واضحة للعالم أجمع، تصبح الرساله مبلغة بأمانة.

إذا كان البعض وصف الثورة الدائرة حاليا في سوريا ‘بالمعجزة السورية’ ورآى فيها البعض الآخر ‘عجيبة ثامنة’ سوف تضاف مستقبلا إلى عجائب الدنيا السبع فإن مهمة أخيرة لا تزال بإنتظار الثوار السوريين، وربما تكون الأصعب وهذه تتطلب عبقرية خاصة.

إن عبقرية الشعب السوري سوف تتجلى بشكل كامل، فيما إذا تمكن في النهاية، من دفع منظومة الفساد والإستبداد والإرتداد في سوريا وحدها نحو الهاوية وإنقاذ سوريا الوطن والشعب والتاريخ والمستقبل.

خاتمة

أخيرا وفي هذه المعمعة، في هذه السمفونية المختلطة، التي تتقاطع فيها اليوم أصوات أجراس النهاية بالنسبة للعالم القديم مع أصوات أجراس الخطر المحدق بالوليد السوري الجديد بقي أن تمتد يد حانية وقوية في آن لتوقف هذه الأصوات وتطلق صوتا واحدا فقط :’

رنين أجراس الفرح وبشائر الولادة، بتباشير عيد ميلاد جديد ومجيد، لشعب سوريا شعب المعجزات الباهرة.

‘ معارض سياسي سوري – باريس

القدس العربي

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى