لمن سيؤول حكم الرقة؟/ حسين عبد العزيز
مع اقتراب معركة الرقة من نهايتها تتجه الأنظار إلى اليوم التالي لتحرير المدينة من قبضة تنظيم «داعش»، في ظل صراع علني/ مضمر بين أطراف محليين وإقليميين ودوليين على تركة التنظيم، ليس في المدينة فحسب، وإنما في عموم المحافظة.
الصراع على الرقة يختلف عن غيرها من المحافظات مثل ما جرى في حلب وما سيجري في دير الزور. المسألة هنا مرتبطة بالسيطرة السياسية/ المدنية.
بدأت ملامح الصراع مع استبعاد «لواء ثوار الرقة» التابع لـ «الجيش الحر» من المشاركة في عملية تحرير مدينة الرقة بسبب أجندته الثورية الواضحة، في وقت سُمح لـ17 فصيلاً المشاركة في تحرير المدينة، لكن هذه القوى تنتمي في معظمها إلى الأقليات الدينية والإثنية، وليس لها أي وزن عسكري يعتد به.
حتى القوى العربية المشاركة في العملية، معظمها مكون من أبناء القبائل الرحّل وليس من العشائر ذات المكانة والمستقرة تاريخياً في المحافظة، والفصيلان العربيان الأبرز المشاركان في عملية التحرير («قوات النخبة» التابعة للرئيس الأسبق للائتلاف الوطني أحمد الجربا، مجلس دير الزور العسكري المشكل في 19 آذار (مارس) الماضي من أبناء عشيرة الشعيطات)، لا ينتميان إلى محافظة الرقة، أي ليس لهما طموح ولا حظوظ في حكم المدينة.
أما «لواء صقور الرقة» المكون من بعثيين وموالين للنظام، فلا يعدو أن يكون له مجرد حضور رمزي، وهكذا تعتمد الوحدات الكردية تكتيكاً يقوم على الاستعانة بقوى عربية رمزية تكون بمثابة غطاء للهيمنة الكردية، ويجب على هذه القوى أن تمتلك أجندات متباينة حتى لا تشكل كتلة عسكرية قادرة على إحداث التغيير.
وما جرى مع «قوات النخبة» و «قوات صناديد شمر» التابعة لحميدي دهام الجربا، حين تم تطويقهما من قبل الوحدات الكردية منذ شهرين، وما جرى مع «لواء صقور الرقة» حين تم قصفه من قبل التحالف، يؤكد أن الوحدات الكردية لن تتسامح مع أي فصيل يحاول التفكير والعمل خارج الحدود المرسومة له.
هنا تبرز المخاوف التركية، ومع أن الولايات المتحدة نجحت في احتواء الأتراك وإبعادهم عن معركة الرقة، وتطمينهم أكثر من مرة بأن تحالفهم مع الوحدات الكردية يقتصر على محاربة التنظيم، وأن الإدارة الأميركية لن تسمح بهيمنة كردية مطلقة على المحافظة، إلا أن الأتراك يراقبون بدقة ما يجري، سواء على المستوى العسكري أو على المستوى السياسي، مع محاولات «الاتحاد الديموقراطي الكردي» فرض مجالس محلية كردية ذات تلوينات عربية.
سيكون اليوم التالي لتحرير مدينة الرقة الاختبار الأهم والأصعب بين أنقرة وواشنطن، وفي حين تبدو الولايات المتحدة عاجزة إلى الآن عن تقديم خيار واضح ومحدد، تبدو تركيا عاجزة أيضاً عن بلورة خطوات على الأرض تحول دون هيمنة الإدارة الكردية الذاتية على مجمل المحافظة.
ويزداد المشهد تعقيداً مع دخول قوات النظام إلى الجنوب الغربي من المحافظة، في خطوة تبدو ظاهرياً منع «داعش» من الهروب نحو البادية، لكنها تحمل أبعاداً أعمق من ذلك، فالنظام لا يريد أن يصبح مصير الرقة بين الثلاثي الأميركي- الكردي- التركي.
المسألة الآن هي أن مرحلة ما قبل «داعش» تختلف عن مرحلة ما بعده، وإذا كانت المرحلة الأولى تتطلب تحييد تركيا وإبعاد النظام لمصلحة الوحدات الكردية، فإن المرحلة الثانية تتطلب حواراً وتفاهماً مع تركيا، وربما تفاهمات غير مباشرة مع النظام، إضافة إلى التفاهم مع الوحدات الكردية التي لا تزال تشكل ورقة مهمة بيد الولايات المتحدة.
ثمة ثلاثة احتمالات لمصير الرقة:
* إبقاء الولايات المتحدة على الهيمنة الكردية المطلقة في المحافظة، لكنه احتمال بعيد، لأن هذا الوضع سيؤدي إلى انفجارات محلية تضاف إلى البعد التركي. والأكراد أنفسهم يدركون أخطار ذلك، ويدركون حقيقة قوتهم في هذه المحافظة التي تختلف عن وضع الحسكة، وهم أعلنوا أكثر من مرة أنهم لن يضموا الرقة إلى منطقة الحكم الذاتي.
* انسحاب الوحدات الكردية تماماً من المحافظة، وهذا أمر مستبعد بسبب تأثيراته السلبية على محاولاتهم الحثيثة للسيطرة على وادي الفرات في محافظتي حلب والرقة، فضلاً عن أن الرقة تشكل الجسر الجغرافي الضروري للتواصل بين أذرع الإدارة الذاتية في الشرق والغرب.
* توسيع مروحة المشاركة في عملية الحكم لتضم مختلف الأطراف مع غلبة المكون العربي على الحكم، ممن ليسوا على علاقة مباشرة مع الأتراك ولا على علاقة مباشرة مع النظام، وهذا الطرح تقبل به كل الأطراف المحلية والإقليمية والدولية.
ومع أن الاحتمال الأخير هو الأقرب إلى التطبيق، إلا أن اختلاف أهداف الفرقاء وطبيعة التحالفات المعقدة في الشمال السوري، قد تدفع الأمور إلى مسارب أخرى، فالوحدات الكردية التي وجدت نفسها خلال السنوات الماضية أقرب إلى النظام، قد تجد نفسها في المرحلة المقبلة بعيدة عنه، في ظل اقتناع «الاتحاد الديموقراطي الكردي» أن النظام لن يقبل بأية محاولات للحكم الذاتي.
كما أن الوحدات الكردية لا تثق كثيراً بالولايات المتحدة، وهي تعلم أن الاختيار الأميركي لها جاء بعيد فشل واشنطن في استحصال حلف مع القوى العربية، مثلما حصل مع «جبهة ثوار سورية» و «حركة حزم» و «الفرقة 30».
والأمر ينطبق على تركيا التي قد تقبل بتواجد للنظام في مدينة الرقة وفي عموم المحافظة على حساب الوحدات الكردية، متقاطعة في ذلك مع دمشق وطهران في مخاوفهما من تضخم القومية الكردية.
* إعلامي وكاتب سوري
الحياة