صفحات سوريةميشيل كيلو

لمن لا يعلم/ ميشيل كيلو

 

 

 

ليس من الجائز أن تبقى علاقة “داعش” بطهران محل تخمينات غائمة، تتجاهل معلومات متنوعة وموثقة حولها، مصادرها داعشية وإيرانية، وتتصل بالسؤال حول دور نظام الملالي في الإفادة من التنظيم الذي نقل العمل الإرهابي إلى طور نوعي جديد، بعد الضربات التي تلقتها القاعدة في العقد الماضي، وبلغت ذروتها في مقتل أسامة بن لادن، زعيمها ومؤسسها الذي اكتملت باغتياله سلسلة تصفياتٍ، قلصت انتشار تنظيمه وقيدت فاعليته وأفقدته حلقات قيادية خبيرة، أدى غيابها إلى تراجع قوته، وانحسار امتداداته الدولية، وفرض على المنتفعين بالإرهاب سد الثغرة الناشئة عن تراجعه النسبي، والعمل على تجديده سلاحاً، لطالما استخدموه في صراعاتهم الخارجية والداخلية، لإعادة إنتاجه في صورة تتخطى أي حجم ودور، سبق له أن بلغه، في ظرف دولي وإقليمي تحولي ومفصلي، يتطلب الرد عليه استعمال كل ما يسعهم امتلاكه من أسلحة ظاهرة وخفية، شرعية وإرهابية، والإفادة من خبراتهم السابقة معه، وتسليحه وتمويله وتدريب عناصره، وفتح أبواب بلدانهم أمام من بقي حيا من قادته. وأخيراً، تفعيله ضمن توجهات جديدة، أهم علاماتها عمله كـ”دولة”، ومُبارحة وضعه تنظيماً سرياً، تفرض السرية عليه علاقات محدودة مع مسلمي العالم.

معروف أن إيران هي الدولة التي تستضيف العدد الأكبر من قادة القاعدة وأتباعها، فهل فاتها رؤية ما تعيشه القاعدة من تراجع، والإسهام في تأسيس التنظيم البديل الذي يلبي حاجتها إلى الإرهاب، على الرغم من أنها تنظم معاركه في العالم وتشرف عليها، وخصوصاً في العالم العربي، حيث لها جيوش إرهابية ذات حوامل مجتمعية وأذرع سياسية تمسك بدولها المحلية، أبرزها حزب الله في لبنان، وجيش الأسد في سورية، وقد انقلب إلى ميليشيا إرهابية، آمرها قاسم سليماني، قائد فيلق القدس، أداة تصدير “الثورة الإيرانية” إلى العالم الإسلامي، الذي لم يقصّر أبداً في تنفيذ مهام إرهابية.

بانتقالنا من التعميم إلى التخصيص، نجد في ايران تنظيماً تابعا لفيلق القدس، يحمل اسم مالك بن الأشتر، القائد في جيش سيدنا علي، رضي الله عنه، هذا التنظيم مكرس لمساعدة “داعش” على تنفيذ عمليات تفك روابط الشيعة التاريخية والدينية بمجتمعاتهم، وتقنعهم باستحالة التعايش معها والعيش فيها، وبحتمية طلب عون إيران ضدها. لهذه الغاية، يساعد الأشتر “داعش” على اختراق السعودية والبحرين، وضرب حسينيات ومساجد شيعية فيهما، على أمل أن يُحدث الاعتداء عليها فتنة تمكن إيران من اختراق شيعتهما، وربطهم بها وتجنيدهم وفكهم عن باقي مجتمعهم. وهناك معلومات تؤكد حدوث تنسيق حول قضايا بعينها بين التنظيم الإيراني وداعش، شهد بعضها العراق، حيث تحرص طهران على محو هوية أهل السنة الوطنية، وتسعى إلى إقناع العالم بأن “داعش” الإرهابي هو التعبير السياسي الوحيد عنهم، وأن ما يقال عن معارضة مناوئة له في أوساطهم ليس غير كذب وخداع، فـ”داعش” هو سياسياً سنة العراق، وهؤلاء هم “داعش” مذهبياً وإرهابياً، بينما يقاتل شيعته الإرهاب بمفردهم، لأنهم لا يجدون شريكاً سنياً يقاتله معهم.

هل هناك من حاجة إلى شرح الأبعاد الإرهابية لسياسات طهران هذه التي تلتقي مع نهج دولي يحصر الإرهاب بالسنة، ويبعده عن مصدره الإيراني، على الرغم مما يتوفر من دلائل قاطعة حول إرهابه. أليست نتائج هذا الالتقاء قاتلة بالنسبة إلى شعوب سورية والعراق ولبنان واليمن؟.

لم يهبط الإرهاب من السماء. إنه وليد نظام مذهبي دعمه وقوّاه، ليكون أداته في شق العالم الإسلامي وتفجيره من الداخل وإخضاعه … أو تدميره.

العربي الجديد

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى