لم يخطئ الهدف
ساطع نور الدين
صاروخ الكاتيوشا الذي انطلق مساء الأحد أصاب هدفه بدقة متناهية. لم يسبق للكثير من الصواريخ المماثلة التي اطلقت من الجنوب اللبناني على مدى العقود الماضية على اكتشاف ذلك السلاح الصوتي الضار، ان حققت مثل هذه النتيجة المحددة: إصابة منزل جنوبي وجرح امرأة جنوبية، وتكريس الجنوب كقاعدة صاروخية مفتوحة للاستخدام في اي وقت.
الجهة التي اطلقت الصاروخ لم تخطئ أبداً. هي شعرت ان الظرف السياسي مناسب للقيام بمثل هذه العملية الليلية، التي لا تقيم وزناً للجنوب والجنوبيين وتفترض ان القدر الذي فتح تلك الجبهة لن يقفلها ولن يقبل بأقل من استثمارها عند اي فرصة وفي اي مناسبة.
الخطأ الوحيد الذي ارتكبته تلك الجهة هو في التقدير السياسي: صاروخ واحد لا يمكن ان يشعل حرباً، لم يعد قرارها جنوبياً، ولم تعد جبهتها جنوبية فقط او حتى لبنانية. يمكن ان يسهم الصاروخ فقط في رفع درجة الاستنفار الاسرائيلية المرتفعة أصلاً وراء الحدود، وفي استدراج المزيد من الاختراقات الاسرائيلية للأراضي والأجواء اللبنانية.. والأهم من ذلك في تبرير الحملة العسكرية المقبلة لإزالة الخطر الصاروخي على الإسرائيليين.
الجهة التي نفذت الإطلاق الجديد شديدة الدقة والاحتراف، هي أرادت فقط ان تسجل حضورها امام حلفائها ومموليها الذين يدفعون في اتجاه مخاطبة إسرائيل ولفت نظرها الى الشمال، من دون استفزازها بل حتى من دون إيقاظ مستوطنيها من النوم على دوي انفجار مفاجئ، ولا طبعاً إجبارهم على النزول الى الملاجئ.
الجهة التي نفذت الإطلاق الجديد تقرأ التاريخ جيداً وتعرف ان ذلك السلاح الصاروخي الذي اخترع في فترة تخلٍ عن الجنوب والعبث بمصير أهله لمصلحة التحاور والتفاوض مع الإسرائيليين والاميركيين في سبعينيات وثمانينيات القرن الماضي، ما زال مجدياً، حتى ولو لم يعبر الحدود. الصوت وحده يكفي.
الجهة التي نفذت الإطلاق تدرك جيداً ان الكاتيوشا، وغيره من انواع الصواريخ القصيرة المدى التي لا تكشفها الرادارات، هي سلاح موجه ضد مصدرها، ضد الجمهور الذي تنطلق من محيطه، وضد المقاومة التي تستخدمه وتعتبره عنصر قوة او ردع.. وتجهل حقيقة بديهية بسيطة هي ان فلسفة اي مقاومة ان تمنع العدو من الإفادة من تفوقه العسكري وأن تجره الى الاشتباك المباشر. وتلك هي اهم خلاصات حرب عام ٢٠٠٦ التي خرج فيها مقاتلون من تحت انقاض القرى الجنوبية المدمرة لكي يقاتلوا ويصمدوا ويمنعوا الإسرائيليين من البقاء. وكل ما عدا ذلك، كان مأساوياً.
لم تخطئ الجهة التي اطلقت الكاتيوشا الأخير هدفها الدعائي، الذي يرسخ في الأذهان ان الجنوب قاعدة صاروخية متفلتة، ويوحي بأن الجنوبيين لا يخرجون الى قطاف الزيتون او العنب او التبغ إلا والصواريخ على أكتافهم.. التي يفترض ان تتحمل المزيد من الازدراء لوجودهم، والاستباحة بأرضهم، والادّعاء بأنهم مقاومون صاروخيون ليس إلا.
لم يكن صاروخاً مشبوهاً أبداً. كان استكمالاً لسيرة صاروخية مؤلمة من تاريخ الجنوب ولبنان لم تتوقف ولن تتوقف، والدليل هو الصواريخ التي تنتظر الانطلاق في الساعات والأيام والأسابيع المقبلة.
السفير