صفحات سورية

لندع الأسد يقتل الإسلاميين!


محمد حسين الأطرش

شعرت بالآسى وأنا أقرأ بعض التعليقات التي وردت على مقالتي “حمص تحمل صليبها” ولفتني أنها كتبت من قبل ثلاث فئات من المعلقين. فئة يمكن تصنيفها بالشبيحة التي تردح لمجرد الردح والدفاع عن نظام الأسد. فئة آخرى يمكن تصنيفها بالمثقفين العلمانيين الذين يخشون وصول الإسلاميين إلى السلطة وفئة ثالثة ترى نفسها مهددة من الإسلاميين آيضا على خلفية أن الحراك في أغلبيته يخرج من المسجد مما يعني حكما بأن المسلمين السنة إن لم يقتلوا المسيحيين وأهل الطوائف الآخرى اليوم فسيقتلونهم غدا. إختصارا يمكن القول بأنهم بشكل أو بأخر بعتبرون أن القضاء على الثورة السورية مفيد لآنه يجنبهم جميعا سيف الإسلاميين. بعبارة آخرى يقولون سرا أو علنا “دعوا نظام الأسد يقضي على الإسلاميين لأنه يحفظ حقوق ومصالح الشبيحة والعلمانيين والمسيحيين والعلويين والدروز”.

المضحك المبكي أن الفئات الثلاثة لا تتردد في الإعلان بأن موقفها إنما ينبع من السير في إحترام الديمقراطية والحرية التي سوف يقضى عليها فيما لو انتصرت الثورة ووصل الإسلاميون إلى الحكم. وهنا بمعنى آخر يعتبرون أن إنهاء حراك أكثرية الشعب إنما يصب في خانة حماية الديمقراطية والحرية. مما يعني بالنتيجة أيضا أنهم موافقون جميعا على قتل من يخرجون يوميا منادين برحيل الأسد ونظامه.

إذا ما أمكن فهم شبيحة القلم التابعين للنظام إلا أن ما تذهب إليه الفئتين الآخريين خطير جدا. كلا الفئتين تؤيد حراكا أو ثورة بشرط أن يكون لهما فقط حق تولي أمور البلاد باعتبارهم لا ينتمون أو يميلون إلى تلك الآكثرية التي يجزمون بأنها ستتولى زمام الأمور في حال نجاح الثورة. هل يمكن إذا أن نفهم أنهم سيكونون المبادرين إلى الحراك بمجرد أن ينتهي الأسد من القتل ويحول تلك الأكثرية إلى أقلية لا يتاح لها الحكم. بمعنى آخر هم يريدون أن يحصدوا السلطة على حساب عشرات آلاف الآرواح. وفقا لذلك لندع الأسد ونظامه يوغل في القتل لأنه بالمحصلة إنما يقتل الأعداء. بالمناسبة بعض المتحدثين دفاعا عن نظام الأسد يعتبر أن الثائر السوري يستحق القتل أكثر من العدو.

إذا ما توقفنا لبرهة مع المنطق: كيف يمكن لهاتين الفئتين أن تدعي الديمقراطية والحرية وهي تستبيح قتل أخوة في الوطن؟ ما الأجدى؟ قتل أبرياء لأنهم ينتمون لآكثرية أم الإنضمام إلى الثورة ليكونوا شركاء فاعلين في صنع ديمقراطية حقيقية للجميع؟ هل فكر هؤلاء للحظة كيف يمكن لهم أن يكونوا شركاء غدا في وطن إستباحوا فيه قتل مواطنيه بتهمة الآكثرية؟

في مقال سابق شرحت أن خوف البعض من حكم إسلامي مبرر لكن شرط أن لا يتحول الخائفون إلى شركاء في القتل. واليوم يطرح السؤال: ألا يعزز خوف هؤلاء إنعدام الثقة لدى جمهور الثائرين من العلمانيين والمثقفين ويقربهم أكثر إلى أصحاب الطروحات الإسلامية؟ ألا يكون غياب الخائفين بمثابة تقاعس عن مساعدة الثائرين وبالتالي يشكل الإرتداد عن طروحاتهم أمرا مقبولا. خصوصا إذا ما أخذ بعين الإعتبار أن وصم الثورة بالإسلامية فيه الكثير من التجني إذا ما أخذنا بعين الإعتبار أن النخب الأساسية للثورة إنما كانت من صفوف المثقفين والعلمانيين. ومن جهة آخرى فإن خروج الثوار من المسجد ليس دليلا على إسلامهم السياسي. هل كل من يصلي في المسجد سلفي أو طالباني أو أفغاني؟ هل كل محجبة هي بالضرورة مع إقامة نظام إسلامي؟ إن أخذ المسلم بتهمة إلاسلامي طالباني أفغاني هي أيضا جريمة وتوصيف في غير محله. بالمناسبة تذكرون جميعا أن معظم الحركات الإسلامية الجهادية إنما تتخذ من نظام الأسد حضنا لها ناهيك أن نظام الأسد وأشباهه هو ما ساعد على بروز الحركات الإسلامية الجهادية خصوصا في الآوساط المهمشة والفقيرة حيث فقد الكثير من هؤلاء الناس الثقة بتلك الآنظمة وجعلهم يلجئون للدين المتشدد كملاذ يهون عليهم فقرهم رغبة في كسب الآخرة ما داموا قد خسروا الدنيا.

ليس درسا ما أقصده هنا لكن تعرفون أن الديمقراطية تعني أول ما تعنيه الإختيار الحر للفرد وهؤلاء الثوار إنما ينشدون ذلك وهم بذلك يأسسون لمبدأ الثورة ضد أي حاكم ظالم لا يحترم حقوقهم وحرياتهم. بمعنى آخر إن إنتاج نظام ديمقراطي بصرف النظر عن هويته سيكون مجرد بداية لإمكانية تغيير ديمقراطي.

قد يكون أيضا من المناسب التذكير بأن الجميع يدرك بأن هذا النظام قد أهدر الكرامة الإنسانية للجميع وهو بذلك أعد هذه المؤامرة الدافعة للثورة وليس من داع لاعتبار مصالح الغيرهي المؤامرة التي أوصلتنا إلى ما وصلنا إليه.

قبل أن أنهي هذه الدعوة كنت أتمنى ممن يتحدثون عن الإصلاحات التي يعلنها النظام أن يدخلوا في اعتبارهم أن رأس النظام لم يتحدث يوما عن الديمقراطية في اختياره وعن نيته في التنازل عن أبدية حكمه. ألا يعتبرتداول السلطة أهم ركن من أركان ممارسة الديمقراطية؟

كي لا تكونوا دعاة للقتل طالبوا على الأقل بأن يترك النظام للمعترضين إمكانية التظاهر أسوة بتظاهرات الحب والوفاء التي يغيب فيها أي عمل مخل بالآمن.

ما زال الوقت متاحا لتكونوا شركاء في مستقبل قادم يمكن فيه لأصواتكم أن تؤسس بالفعل الإيجابي لسوريا الحديثة.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى