صفحات سوريةعمر قدور

لنراهنْ على فشل أوباما/ عمر قدور

 

 

لا تدخل في باب الصفاقة الأميركية المعتادة تصريحاتُ وزير الخارجية الأميركي الأخيرة عن ضرورة التفاوض مع الأسد، ومثلها تصريحات مدير الاستخبارات الأميركية جون رينان حول ضرورة منع انهيار نظام الأسد. على أية حال، التصريحات الأميركية ليست مفاجئة لأي متابع للسياسة الأميركية في ما يخص الشأن السوري، ولا بأس مع ذلك بالتذكير بثلاث محطات فارقة في الموقف الأميركي خلال السنوات الثلاث الأخيرة. في خريف عام 2012 كانت المعارضة السورية قد بدأت فعلاً معركة دمشق وتمكنت من قطع طريق مطارها الدولي، حينها قُطعت الإمدادات القادمة من الجنوب عن المعارضة، ما أدى إلى تراجعها ومن ثم وقوع قواتها تحت حصار خانق، وأكثر من هذا، محاصرة قوات النظام المدنيين وتجويعهم تحت أبصار العالم كله، ولم يفلح حتى قرار مجلس الأمن الخاص بإدخال المساعدات الإنسانية في ثني النظام عن حصاره التام.

في خريف عام 2013، إثر استخدام النظام السلاح الكيماوي بكثافة على غوطة دمشق، عقدت الإدارة الأميركية أقذر صفقة سياسية في مستهل هذا القرن، وكان مفهوماً من الصفقة أنها تتخلى عن واجبها الأخلاقي في ملاحقة المجرم لقاء تسليم أداة الجريمة. ولم يكن الاستيلاء على أداة الجريمة كرمى لعيون السوريين بقدر ما كان أصلاً مطلباً يرضي إسرائيل. أما فائدة السوريين منه فهي ليست في الحسبان طالما بقي مسموحاً بإبادتهم بمختلف أصناف الأسلحة الثقيلة الأخرى.

في صيف عام 2014 استكملت الإدارة الأميركية نهجها بإنشاء التحالف الدولي ضد داعش، على قاعدة بقاء الأسد خارج الحساب، مع إقرار العديد من المسؤولين الأميركيين بأن النظام هو من جلب التطرف إلى البلاد، بل تعدى الأمر ذلك إلى التعاون المخابراتي وتنظيم أوقات الطلعات الجوية بين قوات التحالف وقوات الأسد، وفيما بعد اعتراف مسؤولين أميركيين آخرين بأن عمليات التحالف تخدم قواته.

على رغم ما سبق، سيكون الحديث عن مؤامرة أميركية على السوريين وثورتهم متهافتاً وممجوجاً، فالحق أن نهج الإدارة الأميركية يفتقر إلى ركن أساسي من أركان المؤامرة المزعومة وهو السرية. منذ ثلاث سنوات على الأقل، كانت الإدارة واضحة في استبعادها الحل العسكري، وواضحة في تفضيلها بديلاً مختلطاً يضم النظام والمعارضة. أما الإيهام بعدم رغبتها رؤية انهيار النظام على النموذج العراقي أو الليبي فهو زعم لا يصمد أمام الوقائع، لأن كل ما فعله النظام خلال السنوات الأخيرة يصب في منحى تدمير البنية التحتية السورية والمؤسسات الموجودة، باستثناء المؤسسة الأمنية التي يبدو أنها محط اهتمام الإدارة الأمريكية أولاً. ولا يغيب عن الذهن أن تلك المؤسسة هي ما ثار السوريون من أجل إسقاطه. بعبارة أوضح، على رغم خطاب الممانعة الذي يتبناه النظام كانت العلاقة وثيقة دائماً بين أجهزة مخابراته والمخابرات الأمريكية. وبحسب مسؤولين أمريكيين قدامى حصلت الأخيرة على كنز من المعلومات يخص الجهاديين من المخابرات السورية إثر أحداث الحادي عشر من سبتمبر. تكرار تلك التجربة، في مناسبة الحرب على داعش، هو أهم لدى الإدارة من أي اعتبار أخلاقي أو سياسي آخر.

غير أن الوضوح الأميركي الأخير في ما يخص الحرص على النظام والتفاوض معه لا ينبغي أن يكون مصدراً للإحباط. النهج الأمريكي المستمر منذ ثلاث سنوات لم ينقذ النظام من أزمته وفشله، وأن يتبرع مسؤولون أمريكيون بتصريحات تضمر القبول بدور له الآن بعد مجيء قاسم سليماني لقيادة المعارك مباشرة فهذا يدل على عمق أزمة النظام أكثر مما يدل على قربه من التعافي. إذ لو كان قوياً حقاً لما احتاج كل هذا الدعم الميداني والتعويم الدولي. مع هذه الإدارة تحديداً يحق لنا المراهنة على فشلها، ربما أكثر من المراهنة على نجاح السوريين، لأنها لم تنجح في أيٍّ من الملفات الخارجية، بدءاً من مشروعها في التوجه شرقاً مروراً بأزمة أوكرانيا وصولاً إلى العراق وسوريا، وجلّ ما فعلته هو إلقاء تبعات فشلها على الآخرين.

لقد كانت صورة أميركا مضلِّلة لدى المعارضة السورية، بما فيها تلك الرافضة للتدخل العسكري الأميركي المزعوم، فالإدارة تدخلت بحزم منذ عام 2012 لمنع إسقاط النظام، وهي لم تسع يوماً ولم تسمح بإسقاطه عسكرياً. ولو تركت الأمر فقط للصراع الإقليمي لكانت دمشق نفسها قد أصبحت خارج سيطرته منذ نهاية ذلك العام.

ربما يجدر بنا الابتعاد عن الأوهام في ما يخص صانعي السياسة الأميركية وقدرة أميركا على قولبة العالم كما تشاء، بخاصة لأن صنّاع سياستها اعتادوا على عدم وضع شعوب المنطقة في حسبانهم. وقد يكون مفيداً التذكير بأنهم أجهزوا على أول ثورة شعبية في المنطقة هي ثورة مصدّق قبل نحو ستة عقود لصالح تحالف الشاه والملالي، فتجرعوا الخاتمة بانقلاب الملالي على حليفهم فيما عُرف بثورة الخميني. وكي لا نظلم الإدارة الحالية، ربما هي مشكلة أمريكية مزمنة ألا يجري تذكر هذه الشعوب إلا في مناسبة السؤال الشهير: لماذا يكرهوننا؟ لعل سباق إدارة أوباما مع الزمن لتقديم سوريا هديةً على طاولة الملف النووي الإيراني يجيب على جانب من هذا السؤال، مع التنويه بأن لفّ سوريا برزمة مزركشة وإعادتها إلى بيت الطاعة الإيراني أمر ليس على الإطلاق بسهولة ترك شبه جزيرة القرم لروسيا.

المدن

 

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى