لنقرأ سميرة الخليل…/ معن البياري
تقرأ كتاب سميرة الخليل “يوميات الحصار في دوما 2013” في أقلّ من ساعتين، لكنك لن تصيرَ كما كنت قبلهما، ذلك أن زوبعةً من أسىً ستغشاك، وربما تضطرّك إلى لعن العالم كله، من فرط ما تُحدثه فيك نصوصُ الكتاب القصيرة من غضبٍ كثير من تعايش الجميع، دولاً ومجتمعاتٍ وأفراداً، مع الجريمة الحادثة منذ عقود في سورية، أقلّه منذ نكبة هذا البلد بحكم آل الأسد، الجريمة التي صار يُشاركه في اقترافها كثيرون. تلملمت تعليقات سميرة الخليل وشذراتُها، المقتضبة والسريعة، بين دفتي الكتاب (143 صفحة) بجهد الكاتب ياسين الحاج صالح (زوجها)، ويسّر بعضَها أصدقاء له، وقدّم لها وذيّلها وحرّرها أيضاً. ومن بالغ الأسف أن يضطرّ صاحب هذه السطور إلى تعريف قارئها العابر بمن تكون هذه المرأة، ذلك أن من أبسط حقوق سميرة الخليل أن تكون معلومة الاسم والسيرة والمحنة. هي المثقفة والأسيرة السابقة لدى سجون الأسد، المغيّبة المختطفة منذ 9 يناير/ كانون الأول 2013، مع رفاقها، الحقوقية رزان زيتونة وزوجها الناشط وائل حمادة والشاعر ناظم حمّادي. وفيما تؤشر أدلةٌ إلى اقتراف “جيش الإسلام” جريمة الخطف في الغوطة، فإن أدلةً أكثر تفيد بأن كل أجسام المعارضة السورية قصّرت كثيراً في متابعة هذه الجريمة مع المليشيا المذكورة، وفي أن تجعلها، وغيرها من جرائم الخطف والتغييب، من أولويات مشاغلها.
يأمل ياسين الحاج صالح، في مقابلةٍ معه نشرت أخيراً، أن يكون صدور الكتاب (المؤسسة العربية للدراسات والنشر، بيروت) منطلقاً لاهتمامٍ عام متجدّدٍ بالقضية، ذلك أنه، على ما يقول محقّاً، كتابٌ يرفد القضية ببعدٍ ثقافي. وأضيف، هنا، إنه كتابٌ، مع قلة صفحاته، يشتمل على حزمةٍ من الأبعاد، الإنسانية والسياسية والأخلاقية، ويرميها قدّامنا. والمعنى أن الشحنة العاطفية العالية التي تبقى مقيماً عليها، وأنت تتابع سميرة الخليل في يومياتها، ومكتوباتها، و”بوستاتها” في “فيسبوك”، ليست الموضوع الأساس، وإنما الشهادة الجارحة والعليمة على جريمة نظام الأسد في حصاره دوما، في تجويعه ناسها وخنقهم، وعلى شيءٍ مما صار عند مقتلة السلاح الكيماوي في الغوطة. توفّر هذه الشهادة مقداراً وازناً من حقيقة الجاري في سورية، الحقيقة كما هي، وقد رأتها عينا سميرة المعنيّة، أصلاً، بتوثيق فظاعات الدولة الأسدية، ثم شناعات من تموقعوا سلطةً ضاغطةً في مناطق “محرّرة” من الدولة هذه. وهذا جهدٌ استثنائي بادر إليه المغيّبون في ظروفٍ شديدة القسوة.
لا يكفي أن تغتمّ، وأنت تقرأ سميرة الخليل، تطلب من قرّائها أن يعذروها إن أخبرتهم أن ما عاشته، وكثيرون، في السجن، كان رفاهيةً، وما تعيشُه مع أناس الحصار كارثةٌ إنسانيةٌ أخلاقيةٌ، تعمّ المكان بكليته… أطفال، نساء، شيوخ.. إلخ. تلحّ سميرة على إعلان هذه الحقيقة، على أن يعرفها جميع من في الأرض. تكتب “لو أردت أن أقارن السجن الذي عشته 4 سنوات بالحصار، سيتفوّق الحصار عليه. سيكون السجن منفىً، فيه رفاهية رغم شح الطعام وقلته”. هل في وسع أيٍّ من الممانعين إياهم، ممن انعدم عندهم الحسّ الأخلاقي، منذ أول صيحةٍ في درعا ربيع 2011، أن يحدّقوا في هذه البديهية، أن يعرفوا أيّ نظامٍ بالضبط هذا الذي يُشايعونه، ويمحضوا “صموده” الإعجاب. تكتب سميرة في ذكرى يوم خروجها من سجن الأسد (الأب أو الابن، لا فرق)، عن وجودها في مكانٍ لا يبخل عليه الطيرانُ بالقذائف. ثم تكتب “أتذكّر السجن، وتتفوّق حياة الحصار عليه وحشيةً تعم الجمع المحاصر… أطفال، نساء، شيوخ، البيوت التي زرتها والأشخاص الذين رأيتهم يروون قصصهم عن أحبةٍ، كيف أتى الصاروخ، وكيف فتفت الجسد”.
الأفضل أن تقرأوا هذا الكتاب، نحو ساعةٍ معه تكفي، هو عن خطف سورية، عن “حربٍ عالمية ثالثة ضد شعب”، عن الموت “نمطَ حياة”، عن ركض ناسٍ لتحمل قليلاً من الطحين لأطفالها، عندما تفتح المطاحن، “البعض حالفه الحظ، وكثير مات وعلى كيس الطحين دمه..”. تكتب سميرة “المشايخ هون أضرب (أسوأ) من المخابرات الجوية”. .. كأن هذا تأكّد لاحقاً، عندما أقدم ناسٌ من هؤلاء، غالباً، على خطف أربع أيقوناتٍ في ثورة السوريين.. لا خبر عنهم، منذ ثلاث سنوات وعشرة أشهر.. أقلُّ وفاءٍ نزاوله مع سميرة ورزان ووائل وناظم أن نقرأ هذا الكتاب.. شكراً لمحرّره ومن جمعوا مادته، وللرسّام عماد عبيد، ولناشره ماهر الكيالي أيضاً.
العربي الجديد