صفحات الناس

لن تحصل إلا على تراب/ لقمان ديركي

 

 

بالصدفة كنا هناك. كلٌّ جاء له جد منذ زمان. كانت قبلة الهاربين من الموت. كانت ملتقى الحيوات. بالصدفة صرنا أولاد أرض واحدة، ربما هي ليست أرض واحدة، ربما أراضي، وأنا محتار مين أراضي. أراضي اللي مزعلني، والا أراضي اللي أنا مزعله.

بلد حردان، وشعب حردان، وتعال إلى حيث السبب. مدد مدد. الأسباب البعيدة يا أبو شريك أم الأسباب القريبة. كله واحد يا طرزان. فالحبلة اللي بتاخدك لآخر الغابة واحد مع الحبلة اللي بتستناك. نحن وطن من لا وطن له. قصدي أنو وطني وطن الغرباء. دمشق يا أم الفقراء، يا وطن الغرباء. شام يا شام، يا مركب الأحزان. لا حجة لأحد فيكِ سواكِ. وسواكِ يحكم باسمك الرنان. بابتسامتك الهادئة الصبورة على مر الأزمان. صابرة على الحكام، وصابرة أيضاً على الثوار. ليس لك قلب كي تعطيه لشاب يتمرد، وليس لكِ عقل كي توزعيه على الهياج العام.

سركِ في نأيكِ الصغير، في طَرَشَكِ المبين، في الصبر الذي لا يطيقه من ثار، ويحتار الثائرُ في أمركِ يحتار، هل يثور عليكِ، أم يثور على حكامكِ بالحرام. ضاعت الطاسة في أروقة الحمَّام. وضاع شكل الوطن بتمامه والكمال على باب مقهى الكمال. كيف يمكن للإنسان أن يعيش كما كان.. كيف يمكن للإنسان أن يعيش كيفما كان. وكأن شيئاً ما كان. تلك أسرار الشام. تلك مدرسة القدماء في وجه الغزاة الجدد.

ضاع الأوروبيون في زحام الأميركان. وتمادى العرب في الركوع للأميركان نكاية بالأوروبيين الكفار. وخرجت الناس إلى الشوارع بحثاً عن الناس، وضاع العكَال يا ولدي في كباريه أمستردام. وضاع الكلسون الشرعي في شقة لندن، وضاع في البحر المتوسط الغلام، يا غلام..

اغرق أو مت برصاصة طائشة يا غلام. أمر مولاي القدَر. ما خيَّرني بل وإنه جَبَر. فقلنا ما الذي أطعمنا المرّ؟ وقلنا الأمَرّ. وقد فزنا بجائزة الأمَرّ، لحمنا مرٌّ لهذا العام، على الأقل لهذا العام وما قبله بعدة أعوام. نهنئ بعضنا البعض بالأعياد، نتبادل في نهاية العام التحيات، ولا نعترف بالإنتصار. ولا ندرك حجم الهزيمة. نعيش في مدينة عمرها آلاف الأعوام. نهرب من مدينة عمرها آلاف الأعوام. ونشتاق إلى مدينة عمرها آلاف الأعوام.

نبكي على الفراق، ونرسم صورتنا في الشتات. لقد خُلِقنا للشتات، جمعتنا الشام ذات يوم، وذات يوم فرقتنا الشام. قل بل فرقنا النظام، أي نظام؟ في الشام لا نظام يعلو على الشام. هؤلاء مجرد عسكر، حراس على التراب. لن يمضوا عن الشام إلا إلى التراب. فقدر طغاة سوريا أن يدفنوا فيها، وقدر أهل الشام أن يراقبوا الأحداث.

ثورة يا أبا الشباب. عادي أبو شريك. أحداث أحداث، لا ثورة على الشام، إنما الثورة على النظام الذي يحكم ويتحكم بالشام. ففي الشام دولة الدنيا، وفي الشام جنة الثوار، سوريا أم الفقراء، سوريا وطن الغرباء.. سوريا بومة تنظر إلى المشهد وهي لا تعرف أنه خراب. لكنها تعرف أن الثورة بعد نصرها لن تحصل إلا على تراب.

المدن

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى