لن يدير الشعب السوري بعد اليوم خده الأيمن؟
المحامي عبد الحميد الأحدب
ليس “الفيتو” الروسي بجديد على ربيع الديموقراطيات في تاريخ الامم المتحدة وفي تاريخ العالم.
منذ بودابست، حين قضى الجيش السوفياتي على ربيع الديموقراطية فيها سنة 1956، بعدما سفك دماء مئتي الف متظاهر مدني اعزل، اتهمهم بانهم يشكلون عصابات تخل بالامن، وقتها اسقط “الفيتو” السوفياتي مشروعاً لوقف النار ووقف حمام الدم.
وكان لـ”الفيتو” السوفياتي فضيحة اخرى مع ربيع براغ حيث انزلت الدبابات السوفياتية الى الشوارع لقمع المتظاهرين المسالمين المطالبين بالحرية، واسقط “الفيتو” السوفياتي وقتها مشروعا يأمر السوفيات بسحب جيشهم من تشيكوسلوفاكيا ووقف قتل المتظاهرين المسالمين.
وضرب الاتحاد السوفياتي الرقم القياسي في استعمال “الفيتو” خلال الحرب الباردة، حتى شل مجلس الامن وأفقده قدرته على حفظ الامن في العالم!
وكان للغرب الاوروبي والاميركي نصيب في “الفيتو” ضد ربيع الحريات، فحين امم عبد الناصر قناة السويس سنة 1956 وانزلت فرنسا وبريطانيا قواتهما في مصر، شل “الفيتو” الفرنسي البريطاني مشروعاً يأمر فرنسا وبريطانيا بسحب قواتهما من مصر، ولكن انذار موسكو وغضب اميركا جعلا “الفيتو” بلا مفعول. وانسحب الجيشان مكرهين رغم “الفيتو”. واميركا مدمنة على “الفيتو” مع القضية الفلسطينية.
“لم يستعد مجلس الامن جزءاً من عافيته الا بعد سقوط حائط برلين، فقد انشأ اكثر من ست محاكم دولية لمحاكمة السفاحين في جرائم ارتكبت ضد الانسانية حصلت فيها ابادات جماعية كانت محكمة لبنان آخرها بدون “فيتو” روسي، وكانت تلك المحاكم اول خطوة في التاريخ لم تعد الجرائم في حق الانسانية بعدها بلا عقاب. وقال العالم وقتها ان روسيا ستذهب الى ربيع الحرية والديموقراطية مع غورباتشوف، وتتخلى عن تاريخها القيصري والستاليني، ولم تكد تمر سنوات حتى ظهر الثنائي، بوتين ميدفيديف، وظهرت معهما المافيات والصفقات، وصار الثنائي مثل “لورل وهاردي” مرة مني، مرة منك، وصارت السياسة الروسية بالثنائي المرح سياسة صفقات مالية وبيع اسلحة ومشاريع مالية ولو على حساب دم الشعوب. ولو تمكنت ليبيا من اعطاء روسيا مشروعا كبيراً لما استعملت “الفيتو” على مشروع وقف حمام الدم في سوريا!
بعدما استعملت روسيا حق “الفيتو” قرأ المندوب الروسي بيانا يؤكد انه مع الشعب السوري ولم تقصد روسيا الاساءة الى تطلعات السوريين في الحرية، “ثنائي مرح” في السياسة الروسيةّ! الكلمات كلها للبيع والايجار والمفردات الروسية راقصات في الكرملين.
والاطرف كان ابتهاج بثينة شعبان بأن مجلس الامن خرج من سيطرة اوروبا واميركا! مع ان وليد المعلم سبق ان الغى اوروبا، ولكن شعبان تلغي كل العقوبات التي تتساقط على رأس النظام الدموي السوري من اوروبا واميركا لتشل حركة هذا النظام بدون “فيتو” وبدون اسلحة، هكذا تخلط بثينة شعبان برمضان.
تعطيل مشروع قرار وقف حمام الدم في سوريا نتائجه ستكون ان المتظاهرين لن يعودوا مسالمين، وان الجيش مع الوقت سيشهد انشقاقات اكبر بكثير من تلك التي نشهدها اليوم! “فالفيتو” الروسي سينجم عنه نهر من الدماء اكثر من حمام الدم الذي تتخبط سوريا فيه اليوم، ولن يدير المتظاهرون خدهم الايمن بعد ذبح خدهم الايسر. وكل المؤشرات تؤكد على دور تركي! ما زالت تركيا ممتنعة عن خوضه! ولكن الدول تضطلع احيانا بدور قد تكون مترددة في الاضطلاع به.
ليس هناك بد مما لا بد منه في “فيتو” عسكري تركي يقمع حمام الدم في سوريا بمساندة اميركية اوروبية. وليد المعلم الغى اوروبا. أين العرب؟
أما العرب فان حريتهم اشاعة وسيفهم خشب ووعدهم كذب… فالشعب السوري يسير فوق الشوك والزجاج والاخوة الكرام من العرب نائمون فوق البيض كالدجاج.
ان دوراً عسكرياً ينتظر تركيا بالحاح اذا امعن نظام آل الاسد في القتل. “والفيتو” السوفياتي والدعم الاميركي لدور تركي قد يغير الاجواء ويختصر ملحمة الشعب السوري الذي سبق شعب الجزائر الذي كنا نسميه شعب المليون شهيد. الشعب السوري اسقط الخوف وكسر رخامة قبر الحرية واخرجها للنور… ليكسر قوانين الدفن ومراسمه. ومنذ بداية الثورة السورية كانت مشكلتها في السؤال: “من بعد الأسد؟” الآن مع المجلس الوطني السوري الذي يمثل المعارضة صار الجواب جاهزاً.
في الجو غيوم ملبدة، لا يراها وليد المعلم ولا بثينة شعبان ولا بشار الاسد، كلهم مبتهجون “بالفيتو” الروسي. في كوسوفو استعملت روسيا “الفيتو” ولم يمنع ذلك اميركا من ضرب ميلوسوفيش واعوانه وميليشياته ضربة جوية حاسمة ومدمرة ومخيفة سلم بعدها الاهالي ميلوسوفيش من كثرة ما توجعوا.
وفي الأجواء غيوم مثل كوسوفو.