صفحات العالم

لن يصلح أنان ما أفسده بشار

مها بدر الدين
عندما تصبح سورية نقطة محورية تتقاطع عندها مصالح الدول العظمى، ويمر من خلالها الطريق نحو تنفيذ مشاريع استراتيجية ذات صبغة دينية طائفية لدول أخرى، يصعب آنذاك انتشال المواطن السوري من بؤرة الصراع الدائر بين مختلف القوى التي تعمل على الساحة السورية دون أن يكون لأي منها أدنى اهتمام بمستقبل هذا المواطن ومطالبه وحقه في تقرير مصيره.
فمنذ سنة خلت والثورة السورية تعاني من اختلاف السرعة بين حركة الشعب في الشارع، وحركة المجتمع الدولي والمنظمات الدولية المعنية بمساعدة الشعب السوري للحفاظ على كيانه الإنساني والسياسي والاقتصادي، ورغم كل المواثيق والأعراف والقوانين الدولية التي تنص على حق الشعب السوري بالتدخل الإنساني لإنقاذه كونه المكون الرئيس لدولة سورية العضو في منظمة الأمم المتحدة التي بيدها مفاتيح الحل والربط لو طاب لها ذلك، إلا أن هذه المنظمة الأممية فشلت في إلزام بشار الأسد ونظامه البعثي بإيقاف العنف الفاضح والإجرام الواضح بحق الشعب السوري الأعزل خصوصا أن ما يتعرض له هذا الشعب الأعزل من انتهاكات خطيرة وإبادة جماعية تدخل على الأقل وبشكل لا ريب فيه تحت مسمى الجرائم ضد الإنسانية.
وبرهنت منظمة الأمم المتحدة وهي التي أنشئت لتنظيم العلاقات بين الدول وحفظ حقوق الشعوب في الحياة الكريمة، بأنها مرآة كبيرة تعكس مواقف الدول العظمى التي تتخذ بناء على ما تقتضيه مصالحها وما يحقق سياساتها وما يتناسب مع أهدافها السياسية وإن كان هذا على حساب أرواح تزهق ودماء تسيل، فقد مر عام على ملف القضية السورية الذي لف على كل أروقة ومكاتب هذه المنظمات ابتداء من جامعة الدول العربية التي خذلت الشعب السوري تماماً كما خذلت غيره من الشعوب العربية الأخرى في مواقف متعددة مشابهة حيث قصر النظر السياسي والعجز عن تنفيذ القرارات الكثيرة التي تتخذ وفقدان الديناميكية السياسية التي يتطلبها التحرك السريع لاحتواء الأزمات ومعالجتها، وانتهاء بمجلس الأمن الذي أكد تحكم المنتصرين أصحاب الفيتو بمصائر الشعوب المغلوب على أمرها، والذي أمطر الشعب السوري خلال سنته الأولى من الثورة بوابل من بيانات الاستنكار والشجب والقلق والترقب… الخ.
كما برهن النظام السوري أنه من أكثر النظم السياسية مهارة في اللعب على أوتار المصالح المتبادلة والتوازنات الاستراتيجية واستخدام الأوراق القذرة، واستطاع أن يحتفظ بكرسيه حتى الآن رغم الرفض الشعبي المتصاعد لوجوده بسبب إمساكه لعدة خيوط من خيوط اللعبة السياسية منها ما هو معلن كعلاقته العقيدية بإيران وحزب الله والعراق وعلاقاته الاقتصادية والسياسية مع روسيا والصين، ومنها غير المعلن كالمصالح المشتركة مع إسرائيل التي تدفع بأميركا وغيرها من الدول الغربية إلى تميع مواقفها تجاه ما يحدث في سورية حسبما ما تقتضيه مصلحة إسرائيل في المنطقة، وما تعيين كوفي أنان كمبعوث خاص من الأمم المتحدة والجامعة العربية إلا تعبير صارخ عن تغاضي هذه الجهات الدولية مرة أخرى وليست أخيرة عن ممارسات النظام السوري غير الأخلاقية التي تنفذ في الشارع السوري وحاراته.
فلم ينس الشعب السوري بعد الفيلم التراجيدي الذي أنتجته الجامعة العربية والذي تناول مبادرتها المتواضعة التي لا تعبر عن رأي الشارع وتطلعاته، حتى أتحفتنا الأمم المتحدة ببدعة جديدة درج تسميتها إعلامياً بمهمة أنان لدى سورية، رغم الفشل الذريع لكل محاولات الضغط على النظام السوري للعدول عن أسلوبه القمعي الذي يستخدمه لإخماد شعلة الثورة السورية التي تستعر لهيباً كلما زاد شهيدا، ولم يستح المجتمع الدولي من الاستمرار في محاول إيجاد مخرج سياسي لبشار الأسد من مأزقه الذي لا يحسد عليه، برغم ضربه هذا الأخير لكل الضغوط الدولية من عزلة سياسية وعقوبات اقتصادية عرض الحائط لثقته بأوراقه التي تجنبه حتى الآن التدخل العسكري الخارجي الذي تدعو إليه معظم أطياف المعارضة السورية الخارجية والداخلية.
وبدل أن تدك طائرات الناتو معاقل الأسد وشبيحته، ترسل الامم المتحدة كوفي أنان يستجدي الأسد هدنة لمدة ساعتين لإيصال المعونات الإنسانية التي يطالب الشعب السوري باستبدالها بذخيرة وأسلحة للجيش الحر المدافع الوحيد عن الشعب السوري وأمله الأخير في التخلص من كابوس طال أمده وجفت العيون من كمده، ورغم حنكة الرجل وخبرته في عالم الديبلوماسية وفض النزاعات إلا أنه لم ولن يستطيع أن يفرض أو يقنع الأسد بقبول بنود مهمته التي جاءت مسخاً عن المبادرة العربية حيث اكتفت بالمطالبة بوقف العنف وإغاثة المنكوبين ولم تتطرق إلى تنحي الأسد ونقل صلاحياته وإسقاط نظامه وهو الهدف الذي قامت الثورة لأجله.
واليوم تنعقد جلسات مجلس الأمن الواحدة تلو الاخرى لإصدار المزيد من البيانات الرئاسية غير الملزمة للنظام السوري والتي تؤيد مهمة كوفي أنان في محاولة فاشلة مسبقاً للنأي بالنفس عن التدخل العسكري الذي أصبح ضرورة ملحة في ظل استمراء بشار الأسد التلاعب على الاوتار المشدودة في المنطقة، وإفساد ما يمكن إفساده على الأراضي السورية ما يستحيل على أنان إصلاحه.
الشرق الأوسط

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى