لو كنت الرئيس بشار الأسد
من لديه أدنى اطلاع على سيرة الرئيس السوري بشار الأسد، يعلم أنه لم يكن الرئيس الذي كان يجري إعداده في حياة والده حافظ الأسد ليكون خليفته فيصبح أول رئيس عربي تتحول في زمنه الجمهورية إلى ملكية فيخلف أباه على الحكم. كانت هناك ربكة كبيرة سببها الموت المفاجئ لباسل الأسد ابن الثانية والثلاثين من عمره في 21 يناير 1994 والذي دار حوله أيامها جدل كبير، وهل مات بحادث سيارة على طريق مطار دمشق الدولي حسب الرواية الرسمية للحكومة السورية، أم قتل في اللاذقية بسبب الصراع العائلي لأسرة الأسد على السلطة.
تلك الحادثة بلا شك كانت مربكة للنظام السوري وقلبت الكثير من الحسابات، فباسل هو الرجل العسكري الذي تطوع للخدمة في القوات المسلحة، وهو الذي تدرج في الرتب العسكرية بطريقة معقولة نظاميا، وهو الذي انتمى لحزب البعث السوري اليساري عندما كان في الثالثة عشرة من عمره، وهو الذي حصل على شهادة الدكتوراه في العلوم العسكرية من موسكو، وقبل هذا هو المظلي خريج كلية المدرعات، وبعد هذا وذاك هو طيار الميغ 21. سيرة عسكرية منطقية جدا لرجل لو كان هو من يقود المعركة ضد الجماهير السورية بهذه الدموية والوحشية لما استغربت ولا استنكرت، فهذه هي طبيعة أجواء الحكم وهذه هي أدبيات السلطة وحماية الكرسي.
بشار الأسد طبيب عيون تخرج من جامعة دمشق في عام 1988 وغادر بعدها لإكمال دراسته في الطب في لندن، ولا يوجد في سيرته حرف واحد يشير إلى إعداد عسكري أو توجه لجعله رئيسا للبلاد. إلا أن هذا التاريخ الحاسم 21 يناير 1994 لعب دورا رئيسا في إعادة تشكيل حياة هذا الطبيب، الدكتور بشار الأسد. أشياء كثيرة حدثت في نفس تلك السنة 1994 إذا أمعنا النظر وقلبنا التواريخ. ففي نفس الشهر التحق بالقوات المسلحة وأصبح ملازما أول يناير 1994 وبعدها بستة أشهر أصبح نقيبا، ثم رائدا في نفس 1995، ثم مقدما في 1997، ثم عقيدا في 1999. وقد برر السوريون هذه القفزات غير النظامية بأن بشارا لديه تميز شامل أدى لتلك الممارسات التي لم يسأل أحد من زملائه عن شعورهم حيالها. وعند وفاة الرئيس حافظ الأسد في 10 يونيو 2000 قفز حزب البعث ببشار إلى رتبة فريق لكي يقود الجيش وهو ابن الرابعة والثلاثين في سابقة تاريخية فيما يتعلق بالتاريخ المعاصر..
أعتقد أن الأمر في بدايته كان ممتعا بالنسبة للدكتور بشار، فالحكم لم يكن يتجاوز شعارات الصمود والتحدي، والخطب المنبرية التي تتحدث عن أمجاد العروبة، إلا أن اغتيال الرئيس رفيق الحريري وما رافقه من اتهام صريح بضلوع سوريا في قتله ثم عزلتها عربيا، وانجرافها وراء المد الصفوي الإيراني في كل جنونه وعربدته، جعل التسلية تخرج من الموضوع نهائيا. مع الثورة الحالية، ازداد المشهد قتامة وسوادا مع الصور التي تبثها القنوات للجثث والدماء تسيل في الشوارع كل يوم، من دماء السوريين. ماذا يفعل طبيب عيون بمشهد فيه دم؟ الطبيب عمله هو مداواة الناس من الأمراض وكتابة الوصفات العلاجية والحفاظ على الحياة، لا القتل والدم؟!
أخالف كل الأصدقاء الذين يتصورون أن المشكلة في سوريا هي مشكلة أقلية نصيرية تحكم أغلبية سنية. الأمر ليس كذلك، بل هو ببساطة أيد ليست بالخفية جدا، أحلاف سياسية مستهترة ولا مبالية، تحكم حزب البعث وسوريا بسياسات فاسدة وبسلطة الحديد والنار والافقار، مما أدى بالمشهد السوري للوصول إلى مشهد الدم الذي يسيل رخيصا في الشارع والقتل بالمئات.
لو كنت مكان الرئيس بشار الأسد، لأعدت كل تلك الرتب العسكرية التي حصلت عليها بسهولة، مما سيجعل خسارتها بنفس السهولة، ولارتديت معطف الأطباء الأبيض ولتوجهت للندن لإكمال دراسة الطب التي مازالت تنتظر، ولتركت من قاموا بالجرائم يتحملون مسؤولية جرائمهم أمام الله والسوريين والمجتمع الدولي، بدلا من أن تجير جرائمهم وتحتها توقيعي، ملصقة باسمي، فلا شيء يمكن أن يخسره الرجل، أهم من اسمه.
*نقلاً عن “عكاظ” السعودية