ليتفق اصدقاء سوريا اولاً
عمر قدور
من رأى المؤتمر الصحافي المشترك لوزيري خارجية روسيا وأمريكا “لافروف/كيري” سيظن على الأرجح أن حل المسألة السورية صار وشيكاً، بل ربما كان في حكم المنجز بانتظار الإعلان عنه في المؤتمر الدولي المزمع عقده في نهاية هذا الشهر. جزء كبير من هذا “التفاؤل” يرجع بلا شك إلى قدرة الطرفين على فرض رؤيتهما المشتركة على النظام والمعارضة السورية، ولعل الثقة بالقطبين الدوليين تستعيد على نحو ما أيام الحرب الباردة، حين كان بوسعهما فعلاً فرض تفاهماتهما على اللاعبين الصغار، أو بالأحرى حين لم يكن بوسع اللاعبين الصغار سوى الانصياع التام لهما.
اليوم ثمة شكوك وجيهة حيال قدرة الروس والأمريكان على فرض رؤيتهم المشتركة، ما لم تأخذ في الحسبان الواقع الموجود على الأرض، وما لم تأخذ بالحسبان مصالح اللاعبين الإقليميين الذين لا يدينون بالولاء والطاعة التامة كما قد يُظن. فالروس ليسوا في وضع يؤهلهم للتفاوض نيابة عن إيران وعن النظام السوري، ومن المبالغة تحميل تحالفهم مع محور طهران/دمشق أكثر مما تطيقه طهران ودمشق، لأن هذا التحالف لا يصل أبعد من عتبة القصر الرئاسي الذي يبقى عصياً على الروس البتّ في شخصية شاغله. أما الإدارة الأمريكية فقد بات واضحاً افتقادها العزم الذي يملكه الروس، لذا لا تبدو قادرة إلا على لجم حلفائها كلما قرروا السير أبعد في دعم المعارضة السورية، وبخاصة كلما قرروا دعم المقاتلين بالعتاد المتطور. في الواقع ظهرت قدرة القطبين جلية في عرقلة الوصول إلى حسم سريع أكثر مما ظهرت في لعب دور إيجابي يوفر على السوريين القتل والدمار، وإذا كان هذا مفهوماً من جهة الروس الذين قامروا منذ بداية الثورة برصيدهم كاملاً فهو غير مفهوم من جهة الإدارة الأمريكية، طبعاً باستثناء عدم وجود ما تخسره أصلاً وربما الرغبة في رؤية سوريا منهكة وضعيفة إلى أقصى حد.
لقد قيل الكثير في دور روسيا وإيران في حماية النظام، وقيل الكثير أيضاً في ضعف المعارضة السورية وتشتتها، ما أدى إلى صرف الأنظار عن محور ما سُمّي ذات يوم بأصدقاء سوريا، مع أن “أصدقاء الشعب السوري” لعبوا دوراً سلبياً جداً في تقسيم المعارضة، وفي إفقادها مصداقيتها كلما لاحت الفرصة لتكريسها بديلاً شرعياً عن النظام. هكذا، على سبيل المثال، تم تفريغ منح الائتلاف الوطني مقعد سوريا في الجامعة العربية من المضمون الذي ينبغي أن ينطوي عليه، وأيضاً تفريغه من إمكانية البناء عليه لتتولى المعارضة تمثيل سوريا في المحافل الدولية. لم يكن الأمر بأفضل حالاً فيما يخص تشكيل حكومة مؤقتة، فثمة دول إقليمية سعت إلى تشكيلها، بينما عارضتها الإدارة الأمريكية التي تفضّل رؤية حكومة انتقالية مشتركة بين النظام والمعارضة، الأمر الذي جعل الحكومة تولد ميتة أو كسيحة في أفضل الأحوال.
على الصعيد الميداني تبدو التضاربات أكثر مأساوية، إذ لا يخفى دور جهات بعينها في تمويل الجماعات المتطرفة على حساب كتائب الجيش الحر، ما أدى إلى توسعها ميدانياً وإعلامياً، كما لا يخفى خضوع المساعدات الواردة إلى الجيش الحر للابتزاز السياسي الصريح تحت طائلة حجبها عبر الحدود. وقد أوصل هذا مراراً إلى انتكاسات كبيرة ومريرة على الأرض، فمع تلقي المساعدات تتقدم كتائب الجيش الحر، ثم تُضطر إلى الانسحاب بسبب قطع الإمدادات، وفيما عدا الخسارة المعنوية وفقدان الثقة بالجيش الحر عنى ذلك في كل مرة تعرض الأهالي في ساحة المعركة إلى انتقام فظيع من قوات النظام العائدة.
ما وصلت إليه التطورات الدولية والإقليمية المحيطة هو أن الصراع على سوريا راح يحجب الصراع في سوريا، قد تتحمل المعارضة جانباً مهماً من المسؤولية، لكن على أن نأخذ بالحسبان أنها في الأصل قليلة الحيلة على المستويين المادي والمعنوي، ولا شك في أنها ضعيفة جداً إزاء التمويل الذي لن يكون بريئاً من مصالح أصحابه. هذا أيضاً ما انتهى إليه حال النظام الذي فقد سيادته كلياً، وأصبحت المواقف التي تخصه تُعلن من طهران وقادة حزب الله. مع ذلك يبقى النظام وحلفاؤه أكثر انسجاماً وتماسكاً سياسياً وقتالياً، على العكس من “أصدقاء الشعب السوري” الذين، مع تقلص عددهم في كل مؤتمر، لم تقدّم صداقاتهم للسوريين سوى المزيد من اليأس والفرقة الداخلية.
إن أي تفاهم بين الروس والأمريكان قد يعزز الاختلافات ضمن الجهات الداعمة للمعارضة، ما لم يتفق أصدقاء سوريا فيما بينهم أولاً، وسينعكس تالياً نجاحات على الأرض للنظام، لكنها لن تكون المرة الأولى التي يستفيد فيها الأخير من إصرار حلفائه وتهافت أعدائه، وإلا كيف قُيّض له البقاء حتى الآن؟
المدن