صفحات سوريةعقاب يحيى

ليست الديمقراطية شعارات وحسب …


 عقاب يحيى

ليست الديمقراطية شعارات فقط، إنها وعي، وتمثل، ونتاج، وممارسة مع الذات، وفي البيت، ومع الآخر، ونهج عام في التعامل مع الظواهر، والمختلف معي، وفي الإقرار المسبق، والمُشبع بأنه ما من أحد : فرداً كان أم مجموعة أم حزباً يمتلك الحقيقة دون الآخرين، وأنها حكراً عليه، واستئثاراً له .

    اليوم يُجمع السوريون، ومعهم معظم العرب الناهضون على الديمقراطية طريقاً وأسلوباً، وترتفع إلى عنان السماء مقولة الدولة المدنية الديمقراطية، ومعها أكوام من الشعارات الديمقراطية المرافقة عن التعددية، والتداول السلمي على السلطة، ومفردات الديمقراطية التي صارت محفوظة غيباً، كحرية التعبير وأخواتها، والمواطنة والمساواة، والمكونات وحقوقها…إلخ ..

لكن ثمة أسئلة كثيرة تطرح نفسها علينا جميعاً :

ـ هل تكفي الشعارات لكي نكون، ونصبح ديمقراطيين ؟..

ـ هل نحن ـ موضوعياً وذاتياً ديمقراطيون حقاً، أم أننا نحبو على طريق طويل ؟؟..

ـ هل يمكن للحالات الفردية أن تكوين بديلاً للحركة العامة؟؟..

ـ هل وصل الإيمان والوعي الديمقراطيين إلى مستوى التجسيد والإنتاج ؟؟..

وأسئلة كثيرة تتزاحم في المشهد السوري الحالي، وتتكاثف أمام المرحلة الانتقالية، ومرحلة إقامة الدولة الديمقراطية المدنية فعلاً، بمحتواها، وقواها، وركائزها وتجسيدها في البنى الاجتماعية والسياسية .

    لنقل بتواضع المؤمنين بالتغيير، وواجب القيام بمراجعات شاملة لماضي أفكارنا وخطنا السياسي، وأدلجاتنا، وما ساد لدى الجميع عبر العقود المنصرمة، وموقع الاستبداد وآثاره فينا، وقدرتنا على التعامل والتفاعل مع التطورات المحلية والعالمية، ومع موجبات المطلوب، والضرورات التي تمليها على الجميع عملية الانتقال من الاستبداد، والأحادية، وسياسة الاستئصال والاجتثاث.. إلى التعددية ..

إننا نتاج بنى رسفت طويلاً في التخثر، والتكلس، والأحادية، وأنها عجزت، مراراً، عن تحطيم أسارها القوي للانطلاق منها إلى التغيير، ينطبق ذلك على البنيان الفوقي برمته، ناهيك عن البنيان التحتي الذي شهد، بالتراكب مع الأول، تراجعات كبيرة لصالح الماضوية، والتفكك، ومقولات المستبد(العادل وغير العادل)، ولنظم الكل الواحد، والكل الأمني، والكل الفئوي، والمافيوزي، وأن النخب التي يُفترض أن تكون سابقة بمسافات لتلك البنى كانت رهينة تركيبتها واختناقاتها، وحجم الضغوط، والتعليب، والتدجين، والترويض الذي مورس عليها، ورهينة ضعف العمل المعارض، وتلاشي الذهن النقدي أمام محرّمات كثيرة تفاقمت في عهود انهيار مشروع النهوض، وبروز مكونات ما قبل وطنية، وما قبل قومية، وما قبل دولتية تزاحم الآمال، وتسطو على حركية المستقبل التي كان يفترض أن تسير قدماً في مسارات التطور، وليس التراجع، والهلهلة، وبعث ثقافة وأفكار ما قبل وطني .

ـ من جهة أخرى، وبحكم الفشل المريع لأدلجات السائد جميعها التي راجت وهي تحمل مشاريع الآمال بالنهوض والحداثة والتحرر والوحدة، وبعد سقوط المعسكر الاشتراكي، وانتشار أمواج الديمقراطية وحقوق الإنسان، وانكشاف عورات وعجز، وآثام نظم الاستبداد الفئوي، التسلطي.. انتقلت مجاميع شعبية ونخبوية كبيرة نحو الديمقراطية : مخرجاً، وتعويضاً، ومحاولات ملء فراغ شاسع، بما يتجاوز الحالة الموضوية إلى البحث عن حلول لأوضاع مأزومة، ومخنوقة، وقابلة للانفجار في كل وقت .

ـ وبشكل عام عرف العقدين الأخيرين، بوجه الخصوص، تحولات كبرى باتجاه الإمساك، والمناداة بالديمقراطية : بديلاً.. في حين لم تسمح بنى التخلف من جهة، ونظم الاستبداد الشمولي المكين من جهة ثانية، وضعف القوى السياسية، وتهميش الشباب من جهة ثالثة بولادة حركات ديمقراطية ناضجة، تعيش في ظروف ولادة طبيعية، أو عبر ثورة على مألوف البنى، ولا عبر وجود حالة حوارية في المجتمع، وفي ميادين الفكر والثقافة والسياسة، والأسرة، والمحيط.. وغيره، الأمر الذي يسم أوضاعنا الحالية بشكل واضح حيث لم تتعضدَ ثقافة الديمقراطية بعد، بينما تبدو عند الكثيرين قشرة رقيقة تختلط مع الذي كان سائداً لإنتاج حالات من التناقض، أو الازدواجية، خاصة في المنعطفات، وفي التعامل مع الآخر، وفي موقع العصبوي، والذاتي، وفي عمق معاني ومفردات الدولة الهدف : بشقيها المدني والديمقراطي، ومرتسمات ذلك في عموم الميادين الفكرية، والثقافية والتعليمية والاقتصادية وغيرها ..

ـ إن امتلاك منهج ديمقراطي ليس حالة إرادوية فردية، بقدر ما هي نتاج عملية تطورية كبرى يعيشها المجتمع بقواه الطبقية، والسياسية والفكرية وسواها، وإن كانت النخب مطالبة بتقدّم الصفوف وبذل جهود ذاتية سبّاقة لتكون أحد الحوامل المهمة للنقل والتجسيد .

ـ كما أن تعزيز الحوارات بين أطياف الشعب السوري في جميع القضايا المطروحة، ووضعها على طاولة التناول والتفاعل..عملية ضرورية للتخفيف من تراث وإرث مرحلة الأحادية، والانفتاح على الآخر، وتعلم احترام قناعات واعتقادات الآخر المُختلف، وصولاً إلى تكريس التعددية دستوراً، والتنافس النزيه في صناديق الاقتراع وسيلة لامتحان الأفكار والبرامج ومدى قابليتها على الفعل وسط بيئة شعبية قادرة على الفرز، وعلى منح الصوت لمن يعبر عن مصالحها وآمالها .

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى