بدل أن يخافك الشعب، اجعله مرة واحدة يثق بك يحترمك
منهل السراج
وجوه المشاركين في مسيرات الاحتجاج في المحافظات السورية نهار 25 آذار 2011، عدا أهل درعا، فيها الكثير من التحيّر واللهفة، وشكل تراكضهم وتبعثرهم، يبرهن لأي مراقب أننا شعب تعرض لسنين طويلة من الضغط والترويع.
وعبر فيديو عفوي، ينادي أحد الأشخاص في درعا كي يحملوا المصابين والقتلى، ويرد أحد الأشخاص وهو يركض من أماكن الخطر، أين نروح فيهم؟ وفي مساء اليوم ذاته، أُخرج الناس في مسيرات مؤيدة لبشار الأسد، وبالطبع أتيح للنظام، تصريحات تتهم المحتجين بتجنيدهم لصالح أجندات خارجية، نعرفها أنها كاذبة أو غير مطّلعة على الحقيقة، الأهم أننا لانثق بتصريحاتهم.
وبتعليق من أحد الأهالي في مدينة حماة، الذين راقبوا مسيرات الاحتجاج بابتهاج، أنهم حين شاهدوا مسيرات التأييد مساء ذات اليوم، جلسوا في بيوتهم على وشك البكاء.
طبيعي أن واقع الناس هو نتاج ماضيهم، ومستقبلهم يتعلق بواقعهم وتطلعاتهم. حين يتم تجاهل هذا الواقع و الماضي والمستقبل من قبل السلطة، فإنها تلغي وجود هذا الشعب، وتلغي عملها الأساسي لتمارس وظيفة أخرى، تخص مصالحها الضيقة وليست مصالح سوريا.
حين ألقى بشار الأسد خطبته الأولى، ونذكر جميعاً جملته التي اعتبرتها حاشيته، اعترافاً “خارقاً”، كانت عن العهد السابق، قال: حدثت أخطاء. كانت جملة على قِصرها وعجالتها، تختصر نظرة هذا النظام لشعبه، واستهانته به. أن يتناول الخطاب، فترة كوارث للملايين من السكان، من قتل وسجون وتهجير ونفي وتهديد وإفقار وإفساد، بعبارة نزقة: حدثت أخطاء. ولايليها أي شيئ يختلف عنها، أمر أظنه أكثر من جاحد، فالمواطن المعجون بآلام الفترة الماضية، بالتأكيد شعر بالغبن الشديد، وهذا وإن لم يكن جديداً عليه، إذ إنه اعتاد منذ بدء الاستبداد باستهتار النظام بوجوده، إلا أن تكرار الأسلوب ذاته وفوز هذه السلطة دائماً في قهره، بالتأكيد ولّد لديه كراهية، والكراهية تعني انعدام الثقة، وبالتالي انكفاء كل فرد مع جماعته، ليفتش عن أقرب سبيل للانفجار. وشعور العار، لمن يهمه الأمر، شعور نفسي طبيعي عند كل أهل الارض، حين يصاب الإنسان بثأر، يشعر بالألم الممض، وسيلازمه هذا الشعور حتى يقتنع أنه استرد حقه. لذلك وُجدت طرق لمعالجة هذا المصاب بأن أول أوليات العلاج أن يُعترَف بحقه كاملاً ويُعتنى بآلامه وتُكرّم ضحيته. حينها فقط وبالتأكيد يمكن أن يتخفف من شعور الكراهية، ويرضى ويصبح الوضع آمناً فعلياً وليس شكلياً.
كيف يمكن للنظام تجاهل ماضيه؟ وهل يظن فعلاً أنه يمكن للناس أن تعتبره مبرءاً وليس ابناً للمرحلة السابقة وامتداداً لها؟ خصوصاً وأن الممارسات لم تختلف عن سابق عهدها، بل ربما تفوقت تشدداً وتخويفاً.
هذا ما يتعلق بالماضي الذي مازال حياً في أذهان الناس. أما الحاضر فهو هذا الأمان الذي تشير اليه باعتزاز زوجة الرئيس، في مقابلاتها، واثقة، أن البلد في أمان.
فإن لم تكن تعرف أن هذا الأمان آت من تهديد وتخويف، فإنها، أظن، لاتدري شيئاً عن حقيقة شعور أغلبية الشعب.
هذه هي إذن قراءة النظام وطموحه للأمان؟ استبدال الأمان النفسي الحقيقي لكل مواطن، بأمان مكاني شكلي قائم على ارتعاد ساكنيه من حكامهم. واقع يتسبب بإرهاب مواطنيه وتهديدهم، لكنه يضمن للحاكم استقراره.
ينتاب الشاب السوري فضول طبيعي غريزي، أن يطّلع على صفحة انترنيت معارِضة للنظام، فيفعل هذا برعب من سيُهدم مستقبله بالسجون وتهدّد أسرته كلها. يتساءل الانسان، ألا تخجل أجهزة النظام من طريقة التهديد هذه؟ أنها طريقة بائدة وضيقة الأفق؟
وعناصر الأمن ملازمة وساهرة ليل نهار، تعتقل من يتصفح صفحات الثورة السورية، و من يكتب تعليقاً حماسياً. كأن هذا الشعب كتلة مجرمين و مهيئين في أية لحظة لزعزعة الأمن، وهذه السلطة هي الوحيدة الجهة الشريفة والحريصة. وتزعم أنها ساهرة على أمنه، لكن، هذا المواطن لا يتعرض للاعتقال والتهديد إلا من قبلها، وليس من أي جهة أخرى.
في هذه الأيام مازالوا يمارسون أفعال الثمانينات، تقحم لجنة طلابية نفسها في نهاية محاضرة وتفرض على الطلاب سماع خطابها، ويشعر الطلاب بأن أعضاء اللجنة يرمقونهم بعيون مهددة إن لم يصفقوا عند كل ذكر لاسم الرئيس.
وأمر يدعو للقلق الشديد ولا أدري كيف لايخجل النظام من أنه أعد جيلاً من الموالين، حين تتصل شابة بقناة تلفزيونية وتقول، مكان ما بشار بدوس نحن منركع ومنبوس، وآخر يحرق نفسه وسوريا لكي يبقى بشار.
وإن تمرد أحد، فمصيره مجهول. مجموعة أولاد هتفوا أو كتبوا بضع عبارات بالبخاخات، يتعرضون للاعتقال من مقاعد المدرسة، ويتعرضون للتعذيب. يتساءل المرء، ماهي الغاية من تعذيبهم؟ على من سيعترفون؟ على رفيق بعمرهم همس لهم ببضع شيطنات؟
بأي عصر مازالوا يحكمون، وأي أمان ينشدون، وأي جيل للوطن يُعدّون؟
يبدو أنه مازال الطموح هو إعداد جيل ككتلة واحدة تمارس الركوع، والفعل المطلوب منها، وتردد العبارات ذاتها، مثل كتيبة عسكرية، تدين بالولاء، فيما ينتشي زعيمها بكلمة، منحبك، حتى وإن كانت مريضة. أو أن أمام المواطن الصمت، أو السجن أو القتل أو النفي أو التهميش.
حسب طريقتهم، يجب أن لايكون للمواطن استقلالية بل عبد مأمور يدين بالولاء لرئيسه، هذا ما يمارس منذ سنين طويلة.
السؤال، لماذا؟ هل نحن خارج هذا العصر؟ ألا يرون الأمر كريهاً وليس مفيداً حتى للزعيم نفسه.
الطموح للولاء يعبّر عن ذهنية معتلّه، المرء يشعر بالنفور من العبيد، فالنظام حين يكون سوياً، يتوق ويسعى لاحترام الناس بدل ولائهم والخوف منه؟ نتساءل، أي تحضر وعلمانية وحداثة يدعيهم هذا النظام؟ أن يطمح النظام لولاء شعبه، يعني أنه غير واثق من خطواته وغير واثق من إمكانية نيل احترام الشعب لممارساته.
علمياً ولاء الإنسان يجب أن يكون لذاته فقط وليس لأحد مهما كان هذا الأحد، لكي ينتج ويتطور ويحقق أسباب وجوده؟ هذا إن كان طموحهم سورية مزدهرة وليست جامدة أو مخنوقة ومهددة.
أن تكون سورية منذ سنين طويلة تعاني من الفساد، يعني أنها أنتجت جيلاً يمارس الأخطاء والخطايا، كأمر واقع وعادي وطبيعي، أي تحصيل حاصل لتفاصيل يومه، وربما يكون بعد القمع الشديد، قابلاً لأن يكون خلية مناسبة تماماً للاستخدام بأغراض الجريمة.
إن كان هذا هو الطموح، فإنه من الطبيعي أن يأتي وقت يتشكل جماعات بذهن إرهابي تهدد ذاتها ومحيطها وظالمها، أم أن لديهم نظرية بعثية خاصة بظروف النظام وطوارئ النظام؟
خاص – صفحات سورية –