صفحات العالم

مأزق عسكري وسياسي سوري وإقليمي ودولي


رفيق خوري

ليس بالاستنكار وحده، يتوقف الارهابيون الانتحاريون عن الدخول على الخط في أحداث سوريا الدامية. فلا العواصم التي أجمعت، برغم مواقفها المختلفة، على ادانة التفجيرات المرعبة في دمشق تتخلى عن أجنداتها المعلنة والخفية. ولا الجهات التي ترسل الانتحاريين والسيارات المفخخة بطن من المتفجرات الى العاصمة التي كان الأمن رصيدها الكبير معنية بالتحول الديمقراطي في سوريا. ولا التخطيط بدم بارد لتوظيف كارثة انسانية في خدمة أجندة سياسية سوى رهان على سيف ذي حدين. واذا كانت مهمة كوفي أنان هي، في المرحلة الحالية، الحد الأقصى للتفاهم في مجلس الأمن الدولي، فإنها لا تزال دون الحد الأدنى من ارادة التنفيذ حتى في بندها الأول: وقف النار.

ذلك أن المشهد السوري يبدو خليطاً من كل شيء: حل عسكري، انتخابات نيابية، حرب عصابات، تظاهرات سلمية، اعتقالات، بعثة مراقبين تراقب اطلاق النار لا وقفه، تهجير بالعنف ونزوح سكاني بالخوف، مناطق خارج السلطة، نزيف اقتصادي وسياسي، عقوبات مفروضة، حركة تسليح، وشراء وقت على مسافة فاصلة بين مرحلة يعرف الجميع ما قادت اليه من دون حسم في أي اتجاه، ومرحلة لا أحد يعرف كيف تنتهي عبر توسيع الحرب الأهلية في اطار حرب اقليمية ودولية بالوكالة.

وهذه قمة الخطر على سوريا أرضاً وشعباً في وطن ودولة، بصرف النظر عما يحدث للنظام أو للمعارضين وعما يربحه أو يخسره أي محور أو مشروع إقليمي ودولي. فاللعبة مكشوفة، وإن كانت لا تزال فيها أوراق مستترة في أيدي القوى التي تلعب على مسرح أوسع من سوريا. وهي قوى تتصرف على أساس أن حساباتها والظروف ليست ناضجة بعد لصفقة كبيرة، ولا هي في وارد حرب كبيرة أقله خلال العام الحالي.

وحين يقول كوفي أنان إن مهمته هي الفرصة الأخيرة لتجنب الحرب الأهلية، فإنه يعرف أن خصوم المهمة أقوى من الراغبين في تطبيقها، وانها مجرد فاصل في حرب أهلية. وعندما يقول لين باسكو مساعد الأمين العام للأمم المتحدة بان كي – مون إن مهمة المراقبين ليست تجميد الوضع بل تأمين الظروف لانطلاق الحوار السياسي، فإن الوقائع تؤكد الفشل حتى في تجميد الوضع.

والواقع ان الطريق الى الحوار السياسي مغلق بما هو أكثر من جدار الحل العسكري المستمر ومعه الرهان على عسكرة المعارضة بالكامل. وليس أصعب من انهاء الحل العسكري سوى بدء الحل السياسي. والأصعب هو نجاح أي منهما على مسرح مفتوح لكل ما في لعبة الأمم من حسابات وصراعات توظف الصراع الداخلي، وسط التوهم بأنها تخدمه.

ولا شيء يوحي أن أي طرف في الداخل والخارج على استعداد لتغيير موقفه في حرب المواقع والأدوار.

الأنوار

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى