مؤامرة اللاجئين
عبدالله إسكندر
يُشهَد للمكلفين النطقَ باسم النظام السوري، تحلِّيهم بدرجة عالية من القدرة على طمس الحقائق وقلبها وتزوير الاحداث، وبدرجة عالية من «السينيسم» تجعل من الجزار ضحية ومن الضحايا جزارين. لكن الانكشاف الكامل للأوضاع السورية امام العالم كله جعل من هذه القدرة التي استخدمت بفعالية على مدى عقود، موضعاً للتندر والاستهجان، حتى لدى حلفاء النظام والمدافعين عنه.
ففي الوقت الذي كان وزير الخارجية وليد المعلم يكرر عرض هذه القدرة امام الجمعية العامة للأمم المتحدة، ويفيض في شرح المؤامرة وأعمال الإرهاب إلخ… كان نظيره الايراني علي صالحي يحذر الحليف السوري من مغبة اللجوء الى اسلحة دمار شامل ضد الشعب السوري، ما يعني ان النظام هو الذي يتولى الهجوم على شعبه.
يتهم النظام العصابات المسلحة والتكفيريين بتدمير المدارس والمستشفيات والأبنية والمدن والقرى وبقتل المدنيين في انحاء البلاد. وفي الوقت نفسه يرى العالم كله سلاح الجو السوري يلقي البراميل والقنابل التدميرية على المناطق السكنية، ويعاين العالم الآثار التدميرية للمدفعية الثقيلة التي تصب حممها من دون تفريق على الأحياء في المدن والبلدات، وحتى في العاصمة.
يعلن المكفون النطق باسم النظام السوري، ان الإصلاحات الداخلية قطعت شوطاً كبيراً، ستتحول البلاد في نهايته واحة للديموقراطية والتعددية وممارسة الحريات السياسية، وان الحوار الداخلي يتقدم في سرعة لتحقيق هذه الاغراض. لكن هذا النظام لم يتمكن من التعايش حتى مع الذين كلفهم بمهمة المعارضة والحوار معه، فانقض على بعضهم وأودعهم السجون.
لكن «سينيسم» النظام بلغ ذروته عندما يتحدث عن اللاجئين السوريين، سواء في داخل البلاد او في دول الجوار، اذ حوّل هؤلاء الهاربين من جحيم عنفه الى سلعة في يدي الدول التي فروا اليها، فهم إما يخضعون بالضغط للتدريب العسكري واما يستغلَّوْن في طلب الشحادة باسمهم من الهيئات الانسانية الدولية. حتى يخيّل للمستمع لهؤلاء الناطقين ان دول اللجوء تآمرت على سورية فقط من اجل دفع السوريين الى اللجوء والشحادة باسمهم.
ويدرك النظام ان شهادة هؤلاء الذين شردهم ودفعهم الى اللجوء، بفعل استخدام آلته الحربية لتدمير مسكنهم ومصادر عيشهم، هي التي كشفت ممارساته وانتهاكاته لأبسط حقوق مواطنيه، وهي الشهادة التي توثق ملفه في الجرائم ضد الانسانية. ولذلك بات هؤلاء اللاجئون ومَن هجرهم وانتهك حقوقهم، في نظر النظام، من ادوات المؤامرة. فشهادتهم هي الاقسى عليه ومعاناتهم هي التي تدين ممارساته ضد شعبه.
تتجاوز هذه المعاملة الرسمية للشعب السوري المسألة السياسية المتمثلة بمقاومة التغيير، لتعكس نظرة استعلائية، وحتى تحقيرية، الى المواطن، فهو اما عميل ومسلح ارهابي وأداة في المؤامرة، وإما مصفق للنظام. وتجلت هذه المعاني بالإصرار على التدمير المنهجي لذاكرة هذا الشعب، خصوصاً في حلب، بعدما باتت المدينة مسرحاً للصراع بين النظام والمعارضة، إذ تجاوزت عمليات الجيش النظامي ضد المقاتلين المعارضين العلمليات الحربية الى استهداف العمق التاريخي للمدينة، وهو العمق الذي لم يفلح النظام على امتداد العقود الأربعة الماضية في انتزاعه، ليتحول اليوم الى الخزان الذي يرفد المعارضة بالقدرة على الصمود.
والمدنيون الفارون من حلب، وقبلهم من حمص وإدلب ودمشق ومن سيأتي بعدهم من مناطق اخرى، هم الذي يقدمون الشهادة العيانية على مدى انقطاع النظام عن شعبه والتعامل مع هذا الشعب وتراثه على أنه المؤامرة.
الحياة