مؤتمرات المعارضة الصفرية
غازي دحمان *
انتهى اجتماع المعارضة في دمشق على جملة من التوصيات تركزت على ضرورة العمل لبناء الدولة المدنية الديموقراطية في سورية، عبر آليات لم تتم الإشارة إليها في البيان الختامي للاجتماع، مع إصرار أركانه على وصفه بالتشاوري، عطفاً على تأكيدهم محدودية تمثيلهم التي لا تتجاوز ذواتهم الشخصية!
وبالطبع، لم يحدد البيان الصادر عن الاجتماع آلية واضحة لتحقيق توصياته، وإن بدا أن التوجه العام للمؤتمر يميل باتجاه الانتقال السلمي الى الدولة المدنية الديموقراطية عبر الحوار، علماً أن المناخ السائد لا يشير إلى مثل هذه الإمكانية على رغم إعلان السلطات في دمشق نيتها عقد جلسات حوار لم تتحدد حتى اللحظة مضامينها وأطرافها وحدود الحوار الموعود وسقفه.
وسبق للمعارضة السورية أن عقدت اجتماعات أثيرة، في تركيا وبلجيكا، وأصدرت توصيات وبيانات، كما سبق ان سمع الشارع السوري المعزوفة ذاتها التي تصر على أن المجتمعين لا يمثلونهم ولا يتحدثون باسمهم، فلماذا إذاً تلك الجهود والمبادرات غير المنسقة، ومن هو الذي يمثل السوريين، طالما يتنصل الجميع من هذه المهمة الصعبة؟
الواقع أن تعدد هذه المؤتمرات لا يعكس حالةً صحية، على ما يذهب أركان المعارضة، بقدر ما يعكس اختلافاً عميقاً بين مكونات المعارضة، في الداخل والخارج على السواء… وهذا الاختلاف، كما هو واضح، لا يقتصر على الموقف من الحراك وطرق أو أساليب إدارته، بل يطاول حتى الموقف من سورية المستقبلية، بتوجهاتها وشكل الحكم فيها وصولاً إلى نمط الحكم والأيديولوجيا الحاكمة، وحتى ثقافة المجتمع وأنماط الحياة فيه.
كان ذلك واضحاً من رفض جماعة الإخوان المسلمين المشاركة بصفتهم الحزبية في اجتماع انطاليا، الذي ضم طيفاً واسعاً من تلونات المعارضة السورية، وبخاصة تياراتها اليسارية والقومية، التي تختلف الجماعة معها في الرؤى والأيديولوجيات، ثم قيامهم بعقد مؤتمر بروكسل، الذي اقتصر على الجماعة والجهات الإسلامية القريبة منها. وقد كشف ذلك أول مؤشرات التصدع داخل الهيكل المعارض.
ويأتي اجتماع دمشق في إطار هذا السياق الخلافي. فالواضح أن معارضة دمشق، والتي تتكون في الغالب من نشطاء مدنيين وأصحاب رأي، وقوى حزبية يسارية، تتخوف من تأثير معارضة الخارج في الحراك وتوجهاته، وتالياً التأثير في نتائجه المستقبلية، كما أن للطرفين، معارضة الداخل والخارج، مقاربات مختلفة في شأن طرق إدارة الحراك، وسبل الخروج من الحالة التي تصفها معارضة الداخل بـ «الأزمة»، في حين تعتبرها معارضة الخارج «ثورة». ففي حين تتوجس معارضة الداخل من تطور الامور إلى حد الانزلاق إلى نزاع داخلي، وبالتالي تؤيد إيجاد حلول من داخل النظام، فالمعارضة الخارجية، ربما لا تتأثر كثيراً بمثل هذا الاحتمال، ولذا تصعّد الى درجة المطالبة بإسقاط النظام في الشارع.
الواضح أن هذه المعارضات في واد والثورة في واد آخر. فقد بات جلياً أن من يقود هم شباب أفرزتهم الثورة، لهم نشاطات ميدانية ولهم تأثيرهم الكبير في الشارع، وهم من يسمّون الجمعات ويحددون شكل الحراك ويؤثرون في زخمه، ويؤدون أدواراً إعلامية وتنسيقية وتنظيمية.
ولا شك في أن تعدد مؤتمرات المعارضة والبيانات الصادرة عنها، يعكس أول ما يعكس، الواقع الصعب لممارسة السياسة في سورية منذ عقود، وهذا الواقع هو المسؤول عن هذا التشتت والضعف في المعارضة السورية.
* كاتب فلسطيني
الحياة