صفحات العالم

مؤتمر “أصدقاء سوريا” والحل المتوازن


محمد السعيد ادريس

لم تكن تجربة مؤتمر “أصدقاء سوريا” الذي عقد في العاصمة التونسية يوم الجمعة (24 فبراير/شباط الفائت)، سلبية بالمطلق كما قد يتصور البعض عن خطأ ممن لا يرون في النجاح والفشل إلا المطلق منه، أي النجاح الكامل أو الفشل الكامل . كانت هناك نجاحات بالفعل قد يعدّها البعض سلبيات أو فشلاً، وخاصة عدم تمكن تيار التدخل الأجنبي العسكري في سوريا من الخروج بدعم أفكار من نوع تشكيل قوات دولية – عربية تذهب إلى سوريا، ومن نوع تسليح ما يسمى ب”الجيش السوري الحر” وأطياف المعارضة، ومن نوع الاعتراف بالمجلس الوطني السوري ممثلاً شرعياً وحيداً للمعارضة المطالبة بإسقاط النظام .

ان من شأن موافقة مؤتمر أصدقاء سوريا ومن شاركوا فيه، أن يكون هذا المؤتمر بمرتبة اعلان حرب من دون اعتبار وتدقيق في قضية إعلان الحرب ضد مَن ومِن جانب مَن، ومَن الذي سيدفع في النهاية الأثمان الباهظة لهذه الحرب؟

الذين نجحوا في دعم صدور قرار من هذا النوع ضد العراق، لم يفكروا لحظة في اجابة نزيهة عن هذه الأسئلة، لكن الأمر اختلف الآن بالنسبة إلى بعضهم .

لقد دفع الشعب العراقي الثمن باهظاً ومازال، لكن تكرار هذا الخيار في سوريا سيكون كارثة مطلقة بكل معنى الكلمة، لسبب بسيط هو أن “إسرائيل” سوف تكون شريكة حقيقية هذه المرة في عملية إعادة هندسة الأوضاع في سوريا بعد سقوط النظام بما يؤدي إلى قيام نظام مأمون في سوريا الجديدة يكون غير قادر على أن يكون مصدراً لتهديد الدولة الصهيونية إن لم يكن امتداداً طبيعياً لمشروعها للوصول من خلال سوريا شرقاً نحو العراق وإيران، وجنوباً نحو الخليج وغرباً نحو مصر .

الاهتمامات الأمريكية – “الإسرائيلية” الراهنة بترسانة سوريا من الأسلحة الاستراتيجية أو ما يسمونه ب “أسلحة الدمار الشامل” في يد من سوف تقع هذه الأسلحة؟ وإلى أين ستخرج من سوريا في حالة سقوط النظام؟ الخوف من الأسلحة الكيماوية والبيولوجية السورية، والتردد الأمريكي في تسليح المعارضة، أو اعتماد الحل العسكري، سواء كان عن قناعة أو بسبب رفض أطراف غربية مهمة خاصة بريطانيا، والرفض الروسي – الصيني المطلق لذلك، يكشف عن بعض نوايا وتدابير أوضاع سوريا في مرحلة ما بعد سقوط النظام، وكل الخوف أن تقع هذه الأسلحة في يد من يسمونهم ب”الإرهابيين” ويقصدون تنظيم القاعدة وامتداداته، أو أن تذهب إلى المقاومة اللبنانية، أو أن يصل بعضها إلى الأراضي الفلسطينية المحتلة في الضفة الغربية وقطاع غزة، لكنها في النهاية اهتمامات تتعلق بالاستعداد لوراثة سوريا بعد نظام بشار الأسد .

من النتائج السلبية التي يراها البعض من محصلة “مؤتمر أصدقاء سوريا” التي قد تكون إيجابية، عدم الاعتراف بالمجلس الوطني السوري كممثل شرعي وحيد للثورة في سوريا، لأن مثل هذا الاعتراف كان يعني عزل فصائل معارضة مهمة ربما يكون دورها ضرورياً في مراحل لاحقة، وعلى الأخص “معارضة الخنادق” التي تقاتل وتتصادم مع النظام، على عكس معارضة “الفنادق” التي تتحرك وتموّل خارج سوريا، لكن الأهم من هذا أن “المجلس الوطني السوري” انقسم على نفسه مباشرة بعد انتهاء المؤتمر، فقد أقدم 19 عضواً من أبرز أعضائه على الانشقاق وتأسيس تنظيم معارض جديد أخذ اسم “مجموعة العمل الوطني السوري” .

ماذا يعني هذا كله؟

يعني ضرورة إعادة التفكير في حل ينهي حكم النظام الحالي بالحد الأدنى من الخسائر، ويحفظ لسوريا توحدها الوطني ويحول دون الكيان الصهيوني ومن وراءه لحكم سوريا، كي تبقى سوريا لشعبها ولأمتها، وألا تتحول إلى مطية جديدة إلى السيطرة والاختراق . بوضوح أكثر، أن يكون ما يحدث في سوريا إضافة قوية لرصيد تأسيس مشروع عربي للنهضة وليس إضافة قوية لإنجاح المشروع الصهيوني المتحالف مع المشروع الإمبريالي الغربي .

بهذا المعنى ستكون المسؤولية بالأساس مسؤولية وطنية سورية بقدر ما هي أيضاً مسؤولية عربية، وأن يكون الخيار البديل أبعد ما يكون عن كل تلك الخيارات الظالمة التي تحاول أن تُفرض على سوريا وشعبها .

ويبقى السؤال الأهم هو كيف والنظام السوري يخوض الصراع على قاعدة أما قاتل أو مقتول ويرفض أية محاولة لثنيه عن الاستمرار في السلطة، ويقبل فقط بإصلاحات شكلية بإرادته هو تؤمّن له استمراره وتُخْضع له كل الآخرين؟

الإجابة أخذت بعض ملامحها تتشكل في أفكار من هنا وهناك، هناك أفكار مصرية مهمة تُعدّها لجنة الشؤون العربية بالتنسيق مع لجنة العلاقات الخارجية بمجلس الشعب، وتتوافق مع وزارة الخارجية المصرية، قد تتحول إلى مبادرة مصرية، وهناك أفكار روسية وأخرى صينية، وربما يقدم لنا مؤتمر البرلمان العربي الذي سيعقد في الكويت اليومين المقبلين أفكاراً تساعد على بلورة مبادرة عربية جديدة، ترتكز على جديد الفكر الروسي وتجربة المبادرة الخليجية الخاصة باليمن التي اعتمدت الحل السياسي من دون الحل الأمني والعسكري لفرض تغيير النظام .

رئيس الحكومة الروسية فلاديمير بوتين الذي يُعدّ نفسه رئيساً جديداً لروسيا يتحدث حالياً عما يسمى ب”الحل المتوازن”، ويطالب “بشروط تحفز جميع الأطراف إلى البحث عن حل سياسي” للأزمة، أو عن “حل سلمي لمنع وقوع البلاد في حرب أهلية”، على نحو ما ورد على لسان الياس أو كانوف نائب رئيس مجلس الاتحاد الروسي الذي تحدث عن أن روسيا مؤمنة بحق الشعب السوري في تحديد مصيره، وكشف عن أن مجمل لقاءات ومحادثات كبار المسؤولين مع الرئيس السوري بشار الأسد، أكدت ضرورة إقرار انتخابات حرة لنقل السلطة في سوريا بما يسمح للشعب السوري أن يختار رئيسه بصورة ديمقراطية وسلمية .

الأفكار الروسية والصينية الجديدة لا تُظهر تمسكاً بشخص الأسد، ولكنها تتحدث عن انتقال سلمي للسلطة، وهذا ما يمثل جوهر الأفكار المصرية الآن لبلورة مبادرة تبدأ بحوار مكثف مع الأطراف الداعمة لنظام الأسد عن حتمية التغيير من منطلق الحفاظ على سوريا قوية متماسكة ومنع الحرب الأهلية، ومنع التدخل والهيمنة الخارجية، وأن يمتد الحوار ليشمل كل المعارضة السورية، وأن يحدث توافق على مرحلة انتقالية تبدأ برحيل الأسد وتشكيل مجلس رئاسي وحكومة تكنوقراطية من كفاءات تدير الدولة وتُعدّ لدستور وطني يؤسس لسوريا جديدة ديمقراطية وعربية ومتماسكة .

الخليج

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى