صفحات سورية

مؤتمر الرياض… تحديات أمام الإقليم والمعارضة السورية/ د. نصر الحريري

 

 

اليوم، وبعد خمس سنوات من ثورة شعبية عظيمة، راح ضحيتها أكثر من نصف مليون سوري، تبذل المملكة العربية السعودية مساعي حثيثة للوصول لتسوية سياسية حقيقية، وإيقاف شلال الدماء بما يضمن حقوق الشعب السوري ويلبي طموحاته، رغم انشغالات الرياض في ما يهدد امنها القومي في اليمن، وتستثمر في ذلك موقعها الجيوسياسي الحساس وثقلها الإقليمي والدولي وعلاقاتها المتميزة والفريدة مع مختلف أطياف المعارضة السورية ومكونات الشعب السوري، لتجسد ما ذهب اليه الدكتور عادل الجبير حين قال «إننا سنعمل من اجل الحل السياسي كما لو أنه لا يوجد حل عسكري، وسنعمل من أجل الحل العسكري كما لو أنه لا يوجد هناك حل سياسي».

يمثل مؤتمر الرياض امتحانا لجهات عدة أولها: القوى الكبرى في العالم وعلى رأسها أمريكا التي تحدثت مرارا وتكرارا عن معدودية أيام الاسد وفقدانه الشرعية ووقوفـــها إلى جانب الشعب السوري، وأصرت وانخرطت في الحرب على ارهاب رغم اقرارها علنا أن الاسد وطغمته الحاكمة كانت الجذر الراعي والداعم لهذا النوع من الإرهاب، وتعلم يقينا أنه لا يمكن التخلص من هذا العدو بدون التخلص من سببه الأساس وهو نظام الديكتاتورية والقتل القابع في دمشق.

حتى اللحظة لم نلمس أن واشنطن تستخدم ثقلها الحقيقي ودورها المحوري لتوليد تسوية سياسية توقف حالة القتل والدمار المستمر، الذي يفيض اليوم على الجوار والعالم، تسوية تعتمد الآلية التي ساهمت بنفسها في صناعتها وصياغتها، والتي تفضي إلى هيئة الحكم الانتقالي كاملة الصلاحيات التنفيذية بآلية التوافق المتبادل مما يعني رحيل بشار الاسد وطغمته لا في المرحلة الانتقالية ولا في المستقبل.

الامتحان الثاني لروسيا وإيران اللتين دعمتا بشار الاسد سياسيا وعسكريا وماليا، وذهبت إلى عدوان مباشر بعدما فشل ما تبقى من الجيش السوري وحلفائه في الوقوف أمام التقدم السريع للثوار على الأرض، وقامت بقصف المناطق التي يسيطر عليها الجيش الحر، وساهمت في زيادة المعاناة داخل سوريا، وادعت في أكثر من مرة انها غير متمسكة بشخص بشار الاسد، وان الشعب السوري هو من يقرر مصيره ويختار من يحكمه، وأنها تدعم الحل السياسي من خلال شرعية دولية كانت هي نفسها جزءا منها في بيان جنيف 2012.

وثالثها منظمات وهيئات دولية كبيرة أسست من أجل حفظ السلام والأمن في العالم وترعى حقوق الانسان وتحاسب وتحاكم من يرتكب انتهاكات الحقوق الاساسية بما في ذلك جرائم الحرب والجرائم ضد الإنسانية، وقفت خمس سنوات قاسية في حال شلل وعجز كامل عن التدخل الفاعل في أسوأ كارثة إنسانية بعد الحرب العالمية الثانية، وصدرت عنها العديد من القرارات التي تركت بدون تنفيذ حتى هذه اللحظة.

والامتحان الرابع يخص كل تشكيلات المعارضة السورية وتلك التي فبركها النظام واجهزته المخابراتية وتدعي تبنيها لمطالب الشعب السوري، حيث يكشف هذا المؤتمر حقيقة كل القوى وداعميهم الاقليميين، ومن يريد وقف الدمار والقتل واعادة بناء الدولة على اسس المساواة والعدل والمشاركة الحقيقية في السلطة والثروة، من خلال الانخراط في تسوية سياسية جادة بدون الاسد وطغمته الحاكمة.

وخامسها القوى المسلحة (بمختلف تعبيراتها) التي تقاتل على الارض وحملت السلاح للدفاع عن أهلنا وشعبنا وادعى بعضها انه جاء لنصرة اهل الشام وقضيتهم، سيكشف المؤتمر نوعية هذه القوى وطابع مشروعها الوطني السوري او العالمي، الذي يفوق قدرة شعب سوريا المنكوب، هل هي مستعدة للعمل العسكري المنضبط المنسجم مع العمل السياسي وتسخير انتصاراتها وإنجازاتها لصالح قضيتنا الوطنية السورية، وبالتالي الانخراط في العملية السياسية والسعي لانجاحها والقبول بنتائجها، إذا كانت تنسجم واهداف الشعب في التحرر والانعتاق.

السعودية تستقطب اليوم السوريين بمعارضتهم السياسية والعسكرية، وكل دول العالم تقريبا التي فوضت المملكة القيام بهذه المهمة الصعبة للوصول إلى مؤتمر ناجح يجمع اكبر طيف ممكن من الشعب السوري ويوحد الهدف والرؤية ويصل إلى ميثاق مشترك يوضح الأهداف والمبادئ التي خرج من اجلها ويسعى إلى تحقيقها ويصنع بارقة أمل لشعب قدم تضحيات جسام وقدم مثالا فريدا في العزيمة والتضحية والشجاعة.

عضو الهيئة السياسية في الائتلاف السوري

القدس العربي

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى