مؤتمر القاهرة: “المجلس الوطني” الخاسر الأكبر
الطاهر إبرهيم
كثيرون لم يكونوا يتوقعون أن يتمخض مؤتمر المعارضة السورية في القاهرة عن شيء ذي بال، تماما كما كانت الحال في مؤتمرات سابقة. والبيان الختامي لم يخف خروج المؤتمر خالي الوفاض إلا من الدعوة الى اسقاط بشار الاسد ونظام حكمه ودعم الجيش الحر. ولم يكن السوريون بحاجة إلى مؤتمر للوصول الى نتيجة كهذه على وقع اشتباكات بالأيدي جرت في اليوم الثاني للمؤتمر.
فشل المؤتمر أو عدم خروجه بنتائج عملية مرضية لا تتحمله جهة واحدة، بل ساهمت جهات كثيرة عربية وأجنبية في ما تمخض عنه. بل إن مراقباً سياسياً قال: لم يختلف حال المعارضة السورية بعد المؤتمر عن حالها قبله. فكما ساهمت فيه فصائل المعارضة، فإن المجتمع الدولي والنظام العربي لم يكونا حريصين على نجاح المؤتمر بقدر الحرص على مجرد انعقاده، وكفى الله الأمانة العامة للجامعة العربية نقد الناقدين، ولتُصغ الأمور في الكواليس ليُلقى بتبعة فشل المؤتمر على فصائل المعارضة.
فالأمين العام للجامعة العربية نبيل العربي ساهم، بشكل أو بآخر، بخروج المؤتمرين من دون اتفاق ناجز. فهو حاول أن يضع المؤتمر في جيبه عندما دعا في الموعد الأول للمؤتمر شخصيات سورية بعينها للحضور. لكن المجلس الوطني وهيئة التنسيق رفضا الحضور لأن الدعوات أرسلت اليهما كأفراد، ما تسبب في تأجيل المؤتمر إلى موعده الحالي.
في بداية المؤتمر أشاد الأمين العام للجامعة العربية باللجنة التحضيرية للمؤتمر للجهد الذي بذلته. الإشادة كانت لصوغها مشروع المؤتمر. فصائل المعارضة كانت ممثلة بمندوبين لها في اللجنة التحضيرية، وكان من المفترض أن الأمين العام يتابع أعمالها من خلال مندوب ينقل له نقاط الاتفاق والافتراق ويسعى لتقريب وجهات النظر، ويرفع تقاريره للأمين العام. وإشادة الأمين العام باللجنة التحضيرية تعني أنه كان يفعل ما أشرنا إليه. ومع ذلك نشأ داخل المؤتمر خلافات، وفي بعض الأحيان اشتباك بالأيدي حول أكثر من فقرة كان يراد لها أن تكون في البيان الختامي أو لا تكون.
من ناحية ثانية استبعد معارضون حقيقيون، وبدلا من ذلك استضاف المؤتمر مدعوين “ليسوا في العير، ولا في النفير”. ولتبرير وجود هؤلاء قال بن حلي الأمين العام المساعد للجامعة العربية في مؤتمره الصحافي: إنه من بين 210 مدعوين كان هناك ما بين 30 و40 من المستقلين. لكن بن حلي لم يقل لنا: لماذا خلا المؤتمر من الكتاب والصحافيين السوريين المعارضين وقد كانوا الأشد تأثيرا على نظام الحكم السوري بمقالاتهم وتحقيقاتهم؟ عندما اتصل بعض كتاب المقالة بمكتب المسؤول عن متابعة المؤتمر بالجامعة العربية اعتذر عن عدم استضافتهم بأن الأمر عرض على اللجنة التحضيرية للمؤتمر فقيل: “خلصت” الدعوات، والمدعوون حزموا حقائبهم وهم في طريقهم إلى القاهرة. ولتخفيف وقع الفشل الذي مني به المؤتمر وما يتبع ذلك من سوء إدارة الجامعة العربية، قال بن حلي: مؤتمر القاهرة هو خطوة على الطريق تتبعها خطوات.
على أن مساهمة المجتمع الدولي والنظام العربي في إفشال المؤتمر لا تعفي أهل البيت من السوريين من مساهمتهم في إفشاله، بعلم منهم أومن دون علم، قبل المؤتمر وخلاله. الأخوة الأكراد، على سبيل المثال، في مؤتمرات سابقة، حضرت أنا بعضها، كانوا في كل مرة يخرجون من الاجتماع احتجاجا على عدم التنويه بحق الشعب الكردي بقوميته الكردية في البيان الختامي.
“الهيئة العامة للثورة السورية” أعلنت في أول أيام المؤتمر على لسان هادي العبد الله وهو أحد ناشطيها في لقاء مع الـ”بي. بي. سي” عبر “السكايب” من حمص أن الهيئة ممثلة ب 3 أعضاء بالمؤتمر، إضافة إلى السيدة سهير الأتاسي الموجودة أصلا خارج سوريا. وعلى ما يظهر أن “الهيئة العامة للثورة السورية” لم يكن معظم أعضائها موافقين على حضور المؤتمر. فقد اشترطوا، كما قال هادي العبد الله، أن يعلن الأعضاء الثلاثة انسحابهم إذا جرت رياح المؤتمر بغير ما تشتهيه الهيئة. وهذا ما جرى، فأعلنوا انسحابهم، وعندما فوجئت السيدة الأتاسي بالانسحاب بررت بقاءها بأنها تريد معرفة ما يجري في المؤتمر.
بن حلي أعلن في مؤتمره الصحافي أن المؤتمر ضم أطياف المعارضة كلها. فكيف ساهمت هذه الأطياف بالفشل، وكيف كان وقع هذا الفشل على فصائل تعتبر نفسها أعمدة للمعارضة مثل المجلس الوطني وهيئة التنسيق؟
مهما اختلفنا مع فصائل المعارضة بسبب انشغالها بمكاسب فصائلية قد تكون على حساب ما يتجرعه الشعب السوري الذي يذبح و يقتلع من أرضه بدون أدنى رحمة وشفقة من جيش بلده الذي كان يفترض أن يكون حصنا للوطن، نقول مع هذا الاختلاف، فإننا نرفض الإساءة إلى مكونات المعارضة، بل نريد من الجميع دعم فصائلها حتى تستطيع أن تقارع النظام. لكن الحقيقة التي نتجت عن مؤتمر القاهرة والفشل المحقق كان أكبر من تمنياتنا، حيث ساهم كل فصيل بنصيب قل أو كثر من هذا الفشل.
في نهاية المؤتمر ظهر المجلس الوطني وكأنه الخاسر الأكبر. فقد حظي في مؤتمر أصدقاء الشعب السوري في اسطنبول باسم “الممثل الشرعي للشعب السوري”. أما في مؤتمر القاهرة فقد خرج ممثلوه وهم لا يدرون إن كان المجلس لا يزال يحمل هذا الصفة أم نزعت منه أوأن المؤتمر بما حوى من فصائل ومستقلين شاركهم هذا الشرف؟
غير أننا نحمّل المجلس الوطني التبعة أكثر من غيره. لماذا؟ فهو اراد أن يُنظر إليه خارج سوريا وداخلها على أنه هو المعارضة، لكنه لم يقدم ما يؤكد هذا الأمر. برهان غليون في رئاسته الثانية دعا إلى “هيكلة” المجلس الوطني وتوسيعه. وقد شكلت لجنة من داخل المجلس ومن خارجه وعقدت لقاءات في جنيف، لكن جهات نافذة في المجلس الوطني طوت قضية التوسيع، حتى ظهر المجلس الوطني وكأنه طارد للمعارضين أكثر منه جاذبا.
إذا أردنا أن نوضح أكثر، فقد فشلت اللجنة التحضيرية لمؤتمر القاهرة التي التقت على مدى عشرة أيام أن تحضر جيدا للمؤتمر من خلال قضيتين: لم تهتم كثيرا بالقضايا التي كانت محور خلاف بين الفصائل فتجعل الخلاف فيها في حده الأدنى. كما أن اللجنة التحضيرية فشلت في دعوة ممثلين ممن هم خارج فصائل المعارضة، ولو وضحنا أكثر فإن أعضاء في اللجنة التحضيرية رفضوا دعوة أشخاص بعينهم مع أن فيهم صحافيين وكتابا معروفين. البعض يزعم أن هؤلاء الذين أبعدوا عن المشاركة في مؤتمر القاهرة وفي غيره من المؤتمرات إنما تم إبعادهم من قبل جهة نافذة في المجلس الوطني.
أما هيئة التنسيق التي يرأسها حسن عبد العظيم في دمشق، وينوب عنه هيثم مناع في أوروبا ، فمعارضتها رمادية اللون. إذ لا تستطيع أن ترفع راية إسقاط النظام وتأييد الجيش الحر في مقارعته جيش بشار الاسد، كما يفعل المجلس الوطني. جل ما تستطيعه هو أن تدعو إلى قيام حكم ديموقراطي يكون حزب البعث فصيلا فيه. هذا التوجه أيده رفض هيئة التنسيق حضور مؤتمر “أصدقاء الشعب السوري” الذي انعقد في باريس يوم الجمعة 6 تموز الجاري، بحسب ما أعلن هيثم مناع.
يبقى أن نؤكد ما قلناه في أكثر من مقال من أن تمثيل الثوار في معارضة الخارج السورية وفي المجلس الوطني على وجه الخصوص، هو تمثيل هامشي لا يكاد يذكر. ففي لقاء له مع “القناة الفرنسية 24” (وكان قد خرج حديثا من حمص وحضر مؤتمر المعارضة في القاهرة في 2 و 3 تموز وحضر مؤتمر أصدقاء الشعب السوري في باريس في 6 تموز الجاري)، قال خالد أبو صلاح وبالحرف الواحد: “المعارضة السورية في الخارج تسجل نقطة سوداء، لأنها لم تجتمع ولم تستطع أن ترتقي إلى مستوى تضحيات الشعب السوري”.
ولعل أصدق توصيف لحال المعارضة السورية في مؤتمر القاهرة – وقبله – ما كتبته كاتبة لبنانية لامعة في “النهار”: “برز أداء المعارضة – السورية – مترفاً ولا يرقى إلى مستوى عذابات السوريين في خلاف على ادوار ومصالح وإن كانت الأهداف واحدة”.
النهار