مؤتمر وطني سوري/ فايز سارة
يكاد الفشل يجسد السمة العامة لمسار القضية السورية لاكثر من ست سنوات ماضية. وأسباب الفشل كثيرة، بعضها ذاتي يتعلق بالسوريين انفسهم وهو الأهم، وبعضها الاخر موضوعي، يتصل بالبيئة الإقليمية والدولية، التي أحاطت بالقضية السورية، وهو ايضاً مهم، وتجليات الفشل، جعلت من القضية، كرة ثلج، تتدحرج باتجاه كارثة لاحدود لنتائجها، وهو مايمكن تلمسه، عند التدقيق في أي من الجوانب السياسية والاقتصادية والاجتماعية، والثقافية، كما في الجوانب العسكرية والأمنية، التي صارت اليها سوريا، واحوال السوريين.
تحت تسمية السوريين، تندرج ثلاثة اطراف، أولها نظام الأسد، وثانيهما المعارضة، والثالث عموم السوريين الذين لم يندرجوا تحت ظل واحد من الطرفين، او ان كلا الطرفين قد تجاهلهم لسبب او لآخر.
نظام الأسد، كان الأكثر وضوحاً في موقفه وممارساته وفي أهدافه. كل همه كان الاحتفاظ بالسلطة تحت أي ظرف كان، وباي ثمن، وهو ماعبر عنه في شعاره الفج والدموي الذي رفعه منذ البداية: الأسد او نحرق البلد، وتحت هذا الشعار، لم يتورع عن الذهاب باتجاه القمع الدموي الى حدوده القصوى في القتل والاعتقال والتشريد والتهجير وتدمير كل ما استطاع ان يدمره من قدرات وامكانيات، وفي طريقه قتل او عزل بعض هوامشه السياسية والعسكرية/ الامنية، التي أبدت ملاحظات او تحفظات على مساره، او فكرت بخيارات اخرى في مسار النظام، ثم استدعى لضمان بقائه ومساعدته، ما امكن من قوى إقليمية ودولية، بدأت بالمليشيات الطائفية، ثم امتدت الى ايران وروسيا لمساعدته في البقاء من جهة، ساعياً للمزاوجة بين مصالحه ومصالح تلك الأطراف باي ثمن كان.
ولم تكن المعارضة في تيارها الرئيس افضل حالاً، فقد سيطر عليها وهم الوصول الى السلطة، فحكم شعاراتها ومواقفها وعلاقاتها، بما في ذلك صراعاتها وتوافقاتها الداخلية على مستوى الجماعات والافراد سواء في التشكيلات السياسية او العسكرية كما في التشكيلات المدنية ايضاً، وبذلك عجزت عن مباشرة ماهو الأهم في مهماتها، وهو المراكمة على طريق انتصار ثورة السوريين، وتغيير نظام الاستبداد والقتل، واستبداله بنظام جديد، يوفر الحرية والعدالة والمساواة لكل السوريين.
لقد ضغطت وعملت لتحويل الحراك المدني/ الثوري الى صدى لمواقفها، وعززت مسار التسلح والعسكرة، قبل ان تلبس لباس الاسلمة والتطييف، وتخلط بين قوى الثورة وقوى الإرهاب والتطرف، وسط غياب شبه مطلق لاية برامج او خطط سياسية تنظيمية تحت الرقابة والتقييم وإعادة تصحيح المسارات، الامر الذي دفع الى تراجعها في المستويات الداخلية والخارجية وعلى كافة الصعد السياسية والعسكرية، وتحولها الى هياكل شكلية شبه ميتة بعد ان كانت هياكل ضعيفة ومريضة اساساً، واقام عزلة بينها وبين أكثرية السوريين.
ان تدهور مواقف وممارسات المعارضة وتناقضها، وصراعات اجنحتها، وتهافت تنظيماتها وشخصياتها وتدافعها للحضور في اجتماعات جنيف واستانة، وخضوعها للضغوط وعمليات الابتزاز بالتوازي مع التهميش والتجاهل من قوى مؤثرة ومتصلة بالموضوع السوري، والدفع الى بروز شخصيات هامشية وغير ذات اختصاص ولا إمكانيات للبروز كقيادات للمعارضة حتى داخل التكوينات الأهم في الهيئة العليا للمفاوضات وفي الائتلاف الوطني لقوى الثورة والمعارضة، انما هي تعبيرات عن الخراب الذي صارت اليه المعارضة.
وسط تطورات القضية السورية، تكررت الدعوات من اجل مؤتمر وطني سوري، ولان كانت في اغلبها دعوات حق، فان بعض الدعوات، كان خارج الحق، اذ كان هدفه غير جوهري، كما في أحداث تغييرات شكليه في أوضاع المعارضة باستبدال جماعات او افراد بغيرهم، بينما المطلوب من المؤتمر الوطني تغيير عميق في واقع المعارضة وفي أهدافها وأساليب عملها وعلاقاتها في ضوء التجربة المعاشة من جهة، وفي ضوء احتياجات السوريين الى وقف الحرب والدمار من جهة اخرى، والذهاب الى حل سياسي، ومحاربة الإرهاب الذي لم يعد يقتصر على نظام الأسد وحلفائه، ولا جماعات التطرف والإرهاب من “داعش” والنصرة، بل امتد ليصير جزء من ممارسات تشكيلات مسلحة محسوبة على قوى المعارضة ايضاً.
لقد بات من الضروري اطلاق دعوة جدية من اجل مؤتمر وطني سوري، تكون مهمته احداث تحول نوعي في القضية السورية. مؤتمر ينتخب قيادة للشعب السوري، وليس للمعارضة فقط، ويضع برنامج سياسي -تنظيمي، يعالج القضية السورية في جوانبها المختلفة، ويعيد تطبيع الحياة السورية وفق خطة مرحلية تحت الرقابة والتقييم والتصحيح، تراعي من جهة الاحتياجات والظروف المحيطة من جهة ثانية.
واذا كانت الدعوة تبدو فكرة سهلة، فان تنفيذها من الناحية الواقعية محاط بصعوبات، تقارب مستحيلات، يصعب التوافق على نقاطها الأساسية، وبينها الجهة التي ستدعو للمؤتمر الوطني، وكذلك الجهة او الجهات التي ستدعم انعقاده، والتوافقات على الحاضرين فيه من جماعات وشخصيات، ومكان انعقاده، وبرنامج عمله، والمخرجات المتوقعة من اعماله، وهذه بعض التحديات الصعبة للمؤتمر الوطني المطلوب.
ان السوريين بما اصابهم وبلدهم من كارثة، يجعل من الواجب عليهم (وليس على المعارضة بجماعاتها وشخصياتها المختلفة فقط)، ان يضعوا الفكرة امامهم، وان يعملوا على تجاوز مايحيط بها من تحديات وصولاً ليس الى انعقاد المؤتمر فحسب، بل الوصول به الى نتائج قابلة للتنفيذ، وتجد دعماً دولياً لها.
ومما لاشك فيه، ان قدرة السوريين على انجاز كهذا، سوف توفر لهم دعماً ولو محدوداً، يمكن تطويره الى حد المساعدة في تحقيق أهدافه، ليس لان العالم، يقف عاجزاً امام النتائج اليومية المأساوية للقضية السورية، فهذه قد اعتاد التعايش معها، ولا امام بعض تداعياتها مثل قضية التهجير واللاجئين والمساعدات الإنسانية، التي الف التعامل معها، كما في قضايا ممائلة، بل لان القضية السورية ارتبطت بقضية الإرهاب وجماعاته ومنها “داعش”، والنصرة الموصوفة بفرع القاعدة، التي تمثل تحدياً امنياً وسياسياً للعالم، والاهم ان القضية السورية صارت بوابة لصراع عالمي، يهدد باشتعال حرب تتجاوز الميدان السوري الى مواجهة لايستبعد ان تحصل بين الولايات المتحدة وروسيا.
المدن