صفحات سوريةغازي دحمان

مؤشرات انهيار نظام الأسد من داخله

 

غازي دحمان

إذا كان كل شيء يحمل بذرة فنائه بداخله، فإن هذه القاعدة صارت تنطبق بشكل كبير على حالة النظام السوري، فبعكس الصورة التي تظهر تماسكه ووحدته، إلا أن ذلك لا يعدو كونه قشرة تغطي جبلاً هائلاً من التناقضات التي بات ينطوي عليها قلب النظام الحاكم في دمشق.

تمظهرات هذه الحالة أخذت تعبّر عن نفسها بوضوح، ومن واقع الفوضى، التي بدت ملحوظة بشكل واضح في مسرح إدارة العمليات العسكرية، والتي باتت تتعامل على شكل قطاعي في كثير من الأمور، بحيث تؤول السيطرة في كل قطاع للآمر المباشر والمشرف على الحيز الذي يشكل قطاعه، مع تقاسم للنفوذ تفرضه الضرورات الميدانية مع التنفيذيين العاملين على الأرض.

هذه الأطراف، وإن كانت لازالت تتقاطع مع بعضها البعض حول قضايا معينة، إلا أن طول الأزمة وطريقة معالجتها وتأثر مصالح هذه الأطراف، حولّها، مع الزمن، إلى تيارات متباعدة ومتناقضة مع النظام، وإن كانت تلتقي معه على هدف إسقاط الثورة إلا أن خلافاتها مع النظام تتمحور حول عدد من المسائل:

ـ الإختلاف حول طريقة إدارة الأزمة، إذ أن بعض هذه التيارات يصطف على يمين النظام، وينتقد إسلوبه في معالجة الأزمة، ويعتبره أسلوباً ضعيفاً ويطالب بالقضاء على الثورة باستخدام كافة أنواع الأسلحة، ويتغذى هذا التيار من حالة الإمتعاض والتململ التي بدأت تظهر بقوة في أوساط البيئة المؤيدة والتي تشكل الخزان الشعبي الذي يزود النظام بالمقاتلين. وقد بدأ هذا الإمتعاض يعبر عن نفسه بقوة، نتيجة طول الأزمة وتأخر الحسم وكثرة عدد الضحايا في أوساط بيئة النظام الموالية، وبخاصة في مناطق جبال العلويين. إذ تتحدث المصادر عن مقتل أكثر من خمسين ألف مقاتل، وبعضها يذهب أكثر من ذلك. كما يؤكد زوار تلك المناطق أن كل بيت في كل قرية فيه قتيل أو مفقود.

وساهم هذا الأمر في زيادة الإنقسام داخل بيئة النظام وتظهيره مع الوقت، الأمر الذي دفع ببعض علويي طرطوس إلى رفع شعار ” لكم القصور ولنا القبور”، وقد إنبنى على هذه الظاهرة تيار ينادي بحسم مختلف، ولو أدى ذلك إلى تغيير الوجوه التي تتولى إدارة الأزمة.

ـ الإختلاف في تقدير المخاطر، ثمة تيار آخر يصطف على يسار النظام، وإن كان أضعف، ويتكون غالباً من علويي سهل الغاب وإدلب، وهذه مناطق تماس وتداخل وإختلاط بين المكونين العلوي والسني، وسكان هذه المناطق طالما جرى تهميشهم من قبل علويي منطقة جبلة الذين يسيطرون على زمام الأمور في السلطة والجيش والأمن، وقد تضرر هؤلاء من الأزمة بسبب إما هجرتهم من مناطقهم بسبب قربها من المناطق الساخنة، أو لأن حياتهم تعطلت وتوقفت مصادر رزقهم. وبحكم العلاقات المتشابكة مع جوارهم السني لا يرون الخطر الذي تمثله الثورة بالمنظار نفسه الذي يراه علويو الجبل. لذا، فإنهم يميلون إلى حل الأزمة بأساليب أقل دموية تضمن إستمرار تعايشهم مع جيرانهم في المستقبل. وعلى الرغم من ضعف تأثير هؤلاء في السلطة، إلا انهم يشكلون نسبة لا بأس بها من الطائفة العلوية.

ـ إضافة لهذا الإنقسام من حول السلطة، تمثّل إيران لاعباً وطرفاً مهماً في عملية الإنقسام داخل أطر النظام نفسه، وقد ساعدت حاجة النظام للدعم والمساندة الإيرانيين إلى تعميق إنكشافه أمامها، وتزخيم حالة الإختراق الإيراني في مسالك النظام. ولتحقيق أهدافها، بطريقة أكثر فائدة وجدوى، عملت إيران على تصنيع مراكز قوى تابعة لها داخل النظام والطائفة، ورغم تبعية هذه المراكز لها، إلا ان ذلك لا يلغي وجود تباينات بينها قد تشكل بذورا حقيقة للتصادم، وخير دليل على ذلك اللواء المتقاعد علي حيدر الذي يعد من أهم دعاة التشيع ولكنه يوجه إنتقادات علنية لبشار الأسد وسياساته في المجالس العامة وبين أبناء الطائفة.

ـ ويشكل الجيش الشعبي، الذي تشرف إيران على تأسيسه وتمويله، ليكون ذراعاً عسكرياً لها يضمن حضورها في سورية، في حال سقوط بشار الأسد، أحد بؤر الإنفجار المتوقعة داخل بيئة النظام. إذ تفيد الأنباء الواردة من مناطق الساحل ان هذا الجيش يتكون من أشخاص ذوي مرتبة إجتماعية متدنية، ومن عناصر مطعون في أخلاقيتها، وذوي تاريخ جنائي غير مشرف، وهي لا تلقى قبولاً من عسكريي النظام، بسبب لامهنيتهم وعدم إنضباطهم، حيث يشكلون، مع الشبيحة، فرقاً أشبه بقوات شركات خاصة لا تعمل من أجل قضية معينة بقدر ما يهمها الكسب والربح. وفي سبيل الحصول على ذلك، فهي لن تميّز بين طرف وآخر، بما فيه الطرف الذي تنتمي له ذاته. وهو ما دفع ببعض عقلاء الطائفة العلوية إلى التأكيد بأن تأسيس هذا النمط من المقاتلين القصد منه تفخيخ الطائفة وليس حمايتها.

هذه العوامل، بالإضافة إلى غيرها من العوامل الإقتصادية والعسكرية، من المتوقع أن تشهد في المرحلة المقبلة تفاعلاً دراماتيكياً، في خضم معركة دمشق التي يستعد الطرفان إلى خوضها بشراسة، والتي بدأت نذرها بالظهور في أكثر من مكان، ما يعني أننا سنكون أمام مفاجأة قد تخرج الصراع عن سياقه الروتيني والمقدر، وتلفت الإنتباه إليها بقوة.

المستقبل

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى