مؤيدو النظام السوري، من هم وكيف؟
أحمد مولود الطيار
لا يهدف هذا المقال التشهير بمؤيدي النظام السوري، أو بتعبير أدق، مؤيدي بشار الأسد. التمييز هنا ضروري جدا بين بشار الأسد والنظام الذي يمثله أو منخرط فيه. هل بشار الأسد عنصر عضوي في النظام، أم هو كشخص له تمايزات واختلافات عن النظام الذي يمثله؟ رأيي الشخصي طبعا أن بشار الأسد هو ابن أبيه. لا أقصد بيولوجياً، فذلك أمر محسوم، انما هو نتاج (المدرسة) التي افتتحها حافظ الأسد. أقيم هذا التمييز فقط من اجل الرأي الأخر- من المؤيدين له طبعا – الذين يحاولون اقامة حد فاصل بين بشار الأسد والنظام ككل، حيث بات بديهيا في سورية، أن النقد مثلا الى الفساد والمحسوبية وسيطرة الأجهزة الأمنية وتردي الوضع الاقتصادي تكاد كل هذه المسائل عرضة أو دريئة للنقد والهجوم، ويشترك فيها المعارض وغير المعارض للنظام السوري، ولا يجد اي معارض، لا يمتلك الكثير من الحجة، صعوبة تُذكر في اقناع أشد المؤيدين للنظام بترهل أوضاعنا في تلك المجالات.
بالطبع اقامة هذا التمييز من قبل مؤيديه، رأينا مثله أيام الرئيس الراحل حافظ الأسد، حيث انتشر في سوريا كلام كثير في محاولة تبرير تردي كثير من أوضاعنا، مقولة شائعة: “الرئيس جيد، لكن بطانته فاسدة”، أو ” الرئيس مو فاضي للملفات الداخلية ويعطي كل وقته للملفات الخارجية”، أو”الرئيس لا يعرف ماذا يدور” الخ. تمّ نقل هذه (السياسة) الى وريثه انما بـ(سياسة) جديدة من مثل: “الرئيس شاب ومتعلم” و”الرئيس خريج بريطانيا”، و”الرئيس منفتح واصلاحي لكن هناك حرس قديم يعيقه”. طبعا ترافقت هذه (السياسة) مع طغيان للصورة واحتلالها حيزا في حياة السوريين لتبرهن أقلّه من حيث الشكل على ما تريد تعميمه. فتمّ نشر صورة للرئيس “الشاب” مع زوجته وأطفاله وبوضعيات مختلفة وألبسة ملونة.. الخ . هذا بالتأكيد مشغول عليه، وبعناية فائقة، وتمّ استخدام كل تقنيات الاعلان الحديث. حيث بات علما، كيف يشتغل الاعلام في الأنظمة الشمولية وكيف تصنع دكتاتورا وكيف تسخّر علم النفس والاجتماع وكيفية ادارة القطيع أيضا الخ.
من هنا أعود الى السؤال عنوان المقال: مؤيدو النظام السوري، من هم؟
الجواب على السؤال يتطلب اقامة فرز ضمن المؤيدين كي لا تختلط الأمور وتتشوه الصورة.
في اجابة للرئيس بشار الأسد لصحيفة أمريكية حول النتيجة التي حصل عليها في الاستفتاء على رئاسته وكانت النتيجة تفترب من 97%، قال ردا على استنكار الصحفي الأمريكي لتلك النتيجة: هذه 97 % هي حصيلة من شارك في الاستفتاء وليست لكل السوريين، لأن هناك الكثير من السوريين لم يشارك في الاستفتاء. طبعا الصحفي الأمريكي لم يسأله عن عدد من شارك في هذا الاستفتاء وكم من السوريين الذين استنكفوا؟ (المؤتمرات الصحفية التي يعقدها وزير الداخلية السوري وبعد كل استفتاء ومنذ عهد الأسد الأب تبين بالأرقام أن كل السوريين قالوا “نعم” في تلك الاستفتاءات، ولازلت أتذكر رقم 365 ذكره الوزير في احدى استفتاءات الأسد الأب، مجموع من قالوا “لا” . بالطبع الصحفي الأمريكي يبدو أنه لم يكن متسلحا بالأرقام ليعقب على جواب الرئيس).
من أجل التحليل سنأخذ كلام الرئيس في جوابه على الصحفي الأمريكي وسنفتش عن المؤيدين ضمن هذه الـ97 %: فئة كبيرة جدا مؤيدة، قسم منها يعمل ضمن منطق “أمشي الحيط الحيط وأقول يا ربي السترة” أو كما يتردد كثير على ألسنة بعض السوريين في تبريرهم لصمتهم أو تأيدهم “وراي كومة لحم” في الاشارة الى مسؤوليات الأطفال والأسرة وأعباء الحياة، حيث في نظام شمولي لا يرحم معارضيه تغدو لقمة الخبز جهاداً حقيقياً. وتجدر الاشارة هنا أن كثيراً من أحاديث هذه الفئة في الغرف المغلقة هو غيره في الهواء المفتوح.
هناك فئة ارتبطت مصالحها بشكل كامل مع النظام، وهي تعرف تماما أن سقوط النظام هو سقوطها والمصالح هنا، تتعدى مصالح الفئة السابقة المتمثلة بالحد الأدنى للكفاف، انما يصحّ هنا تسميتها بحيتان المال والامتيازات المافيوزوية، ورجال الأعمال الذين جاؤوا الى السوق عبر الزواج بالسلطة، وبنت علاقات افقية وعامودية حتى ليصح القول انها النظام نفسه. هذه أظن عرضة للهجوم من قبل أغلب السوريين مؤيدة أو ضد الرئيس، ولا يهمّ المقال هنا التركيز عليها.
آتي الآن الى الفئة التي تؤيد الرئيس ولن أشكك في أنها صادقة في حبها لرئيسها، والدليل أنها تركع لصوره. يمكن القول في تلك الفئة، انها في تأييدها لم تجنِ لا امتيازات ولا مكاسب ولاانتهازية يمكن تسجيلها جراء ذلك التأييد، وتتشارك مع غالبية السوريين في الضائقة الاقتصادية مثلا. وتتشكل هذه الفئة من شرائح اجتماعية مختلفة، فيها طلاب جامعات ومدارس وأناس بسطاء من مهن ومنابت اجتماعية مختلفة. ولكن هذا التأييد أو الحب: علامَ انبنى، وكيف تشكّل؟ وأفضّل أن استخدم هنا كلمة “حب” بدلا من تأييد – خاصة ان شعارت تلك الفئة ترفع محبوبها الى مرتبة التأليه والركوع والسجود- ربما تفيد في التوصل الى الأسباب أفضل وهنا تطرح أسئلة اخرى: هل هذا الحب صحيح أم مشوّه؟ هل انبنى على منطق أم هوى؟ هل يقوم على استلاب أم تحرر؟ هل هو حب من طرف واحد أم قائم على التكافؤ والندية؟ مازوشي أم سادي؟ وأي من الطرفين المازوشي وأيهما السادي؟ ما هو ترتيب هذا الحب لدى العاشق والمعشوق؟ وأسئلة كثيرة اخرى.
ربما للاجابة عن تلك الأسئلة والدخول الى كنّه تلك العلاقة بين الرئيس بشار الأسد كمعشوق هنا وعاشقيه يتطلب من التحليل المحايد، معرفة المناخ الذي يجري فيه هذا الحب، الحاضنة التي ترعرع فيها. وهنا، مهم جدا، ما هي الوسائل والأساليب والطرق التي استخدمها النظام السوري ومنذ عهد الأسد الأب في اعلاء صورة الرئيس وصولا الى مرحلة التأليه والتقديس، وصولا أيضا الى اخراج الرئيس من دائرة أي نقد مهما كان بسيطا أو حتى مائعا، فذلك مرفوض بالمطلق.
مما لا شك فيه أن مدة “الجيل” هي 33 سنة وهو كما تعرفه موسوعة ويكيبيديا : “مرحلة التعاقب الطبيعية من أب إلى ابن، ويعرّف تقليديا على أنه “متوسط الفترة الزمنية بين ولادة الآباء وولادة أبنائهم”. المقصود من وراء ذلك القول: أن من هو من مواليد 1970 عمره الآن 41 سنة، والتاريخ الآنف الذكر كما هو معروف تاريخ مجئ الرئيس الراحل حافظ الأسد الى السلطة عبر حركته التصحيحية اذا تمّ غض النظر هنا عن مجئ البعث لحكم سوريا عام 1963، أي منذ 48 سنة. هذا يعني أن جيلا ونصف تقريبا لم يعرف سوى حزب واحد في السلطة ورئيسين اثنين فقط هما الأسد الأب والابن. كذلك ان عرفنا كيف كان يطبع حزب البعث كل مظاهر الحياة الثقافية والسياسية والفكرية والاجتماعية بطابعه عبر أدبياته التي كان يضخّها في المجتمع السوري وعبر المناهج التعليمية منذ المرحلة الابتدائية وصولا الى المرحلة الجامعية، حتى مقررات التربية الدينية لم تسلم من تلك الأدبيات … لذلك عندما يذكر كتاب ومحللون جملة من مثل “النظام السوري يحتل الحيز العام والخاص” فهي ابلغ تعبير ودلالة على السياسات والمناهج التي ترمي الى احتلال الذهنية والعقلية كاملة، وكل من يخرج عن تلك المنظومة مصيره الاعتقال أو يصفى جسديا أو يختار المنفى ان استطاع النفاد بجلده.
تمّ كل هذا في زمن مغلق حيث لا فضائيات ولا انترنيت ولا تويتر ولا فايس بوك ولا يوتيوب، وهذا سهّل لكل الأنظمة الشمولية مهمتها في احتلال كل مساحات التفكير واعادة ترتيب الدماغ كما تريد. فمناهج تعليمية معدّة خصيصا لقتل ملكة النقد والابداع، ليكمل الاعلام المهمة، ومن استطاع الخروج من تلك الشرنقة، تتولى الأجهزة المخابراتية الكثيرة اعادته الى “جادة الصواب”. لذلك، شخصياً، لا أستغرب هنا ومن خلال حوارات الفيس بوك وغيرها أن شابا أو شابة يحمل أو تحمل شهادة جامعية في الطب أو الهندسة مثلا يعتبر أو تعتبر أن الرئيس بشار الأسد هو رئيس شرعي، أو من لا يزال يصدق أن لهذا النظام أجندة ممانعة أو مقاومة، أو أن الرئيس القادم عبر التوريث لديه برنامج اصلاحي ديموقراطي للانتقال بسوريا الى مكان أرحب من المحشورة الآن فيه. هذه النماذج للأسف كثيرة. فحجم الضخ الاعلامي سابقا وحاليا، كذلك ما تم تلقينهم اياه ومنذ سنيهم الدراسية الأولى كاف لتشويه كل الملكات العقلية لأولئك الشباب والشابات. لذلك هم ضحايا وليسوا خصوم. والا، كيف نفسّر ونحلّل المناظر البعيدة كل البعد عن احترام الانسان، سجودهم وركوعهم للرئيس بشار الأسد ومن قبله لأبيه! أو مهاجمتهم للمطالبين بالحرية من نظرائهم السوريين الذين استبدلوا كلمة “بشار” بالحرية! في الشعار الشهير الذي بات للأسف هو الفيصل بين سوريين وسوريين. انهم جديرون بالعلاج لأن ما مورس عليهم هو بالضبط “غسيل دماغ” بكل ما لتلك الكلمة من معنى، والحرية يستحقونها لأنهم ضحايا الديكتاتورية والاستبداد، مثل المتظاهرين تماما.
هذا تكثيف موجز للمناخ والبيئة الحاضنة التي تقف حائطا يمنع ترعرع الحرية، والغرض الابقاء على الانسان المتخلف في سلوكه وقيمه ومواقفه والمحاولات الدائبه في السيطره عليها كي لا يستعيد توازنه النفسي ويسهل قياده واللعب به. انها وضعية القهر التي يحلو للاستبداد ادامتها “الى الأبد”، وشعاره هذا مترجِم ( أمين) لما يشتغل عليه. بتحرر سوريا، تحرر مضطَهدين ومضطِهدين بالفتح والكسر.
كاتب سوري