مابعد انهيار دولة “داعش”/ فايز سارة
عاجلاً او في القريب منه، ستتقوض “دولة الخلافة” التي اطلقها تنظيم “داعش” واعلن عاصمتها الرقة السورية في العام 2014، وامر كهذا ليس في باب التنبوء، بل هو مبني على المعطيات الآخذة بالتراكم في الواقع الممتد مابين العراق وسوريا، حيث يواجه تنظيم “داعش” ودولته هجمات، تجاوزت ما درج التحالف الدولي على القيام به من هجمات جوية الى حرب برية عاصفة بدأت في اتجاه الموصل، وهي تتواصل نحو الرقة، التي لا تبعد سوى نحو اربعين ميلاً عن مدينة الطبقة، التي تم انتزاعها من “داعش” وقد سقط مقاتلو الأخير بين قتيل ومعتقل، فيما فر من تمكن منهم نحو مكان ما في دولة الخلافة الداعشية او الى خارجها.
ليس حصار مواقع “داعش” والقتال البري إضافة الى القصف الجوي فقط، مؤشرات لتقويض “دولة الخلافة” بل ثمة مؤشرات أخرى سياسية واقتصادية وبشرية، الأهم فيها توافق دولي واقليمي ومحلي على الانخراط في الحرب على “داعش” بغض النظر عن الخلافات والصراعات البينية القائمة بين مكونات التحالف الذي صارت اطرافه اكثر قدرة على متابعة عملية الحرب على “داعش” وتحديد الإمكانيات والخطوات التنفيذية فيها، بمعنى وضع مواقف وسياسات كل الأطراف على الطاولة تدقيقاً لما يقال، وما يتم القيام به.
والنقطة الثانية المهمة، تبدو في مؤشرات اقتصادية، أهمها تراجع قدرات “داعش” المادية، حيث أدى انحساره عن مناطق واسعة الى تراجع مقدار الاتاوات وعمليات النهب التي كان يمارسها على سكان مناطق سيطرته، واستغلال مواردها المتاحة، ولاسيما بعد انهيار سيطرته على الحقول النفطية، وكلها كانت توفر موارد تفوق موارد بعض دول المنطقة على نحو ما هو حال موارد نظام الأسد. فقد خسر التنظيم مابين 63 في المائة من أراضيه في العراق، و35 في المائة من أراضيه في سوريا منذ ذروة توسعه في صيف 2014، وانخفضت موارده من نحو ملياري دولار في العام 2014 إلى 870 مليون دولار كحد أقصى في 2016، حسب دراسة صدرت عن التحالف الدولي في شباط الماضي.
اما النقطة الثالثة، فتتعلق بالقدرات البشرية للتنظيم، والتي لاتقل أهمية عن سابقاتها، وقد فقد التنظيم قسماً من قياداته ومقاتليه نتيجة الحرب، سواء من قتلوا او جرحوا او هربوا متسربين الى مناطق أخرى. ورغم عدم وجود احصائيات دقيقة حول خسائر “داعش” في الحرب، فان التقديرات تشير الى فقدان التنظيم لنحو عشرين الفاً من أنصاره ما بين العراق وسوريا، وتتضاعف أهمية الرقم في ظل خسارة المعارك الأخيرة في الموصل والطبقة، التي تؤثر سلباً على معنويات مقاتليه وانصاره.
وسط حالة التدهور التي تصيب “داعش” وتؤشر الى قرب انهياره، فان من المهم متابعة، التطورات المقبلة، والابرز فيها وضع المناطق التي كانت تحت سيطرة “داعش” والمناطق المحيطة بها تحت المتابعة والمراقبة الشديدة، لضمان عدم تسلل ما تبقى من عناصر التنظيم الى مناطق جديدة، ولضمان عدم تحول من يتخفى منهم الى خلايا نائمة، والعمل على تقييد تحركاتهم، واعتقال من يمكن القبض عليه منهم، وينبغي ان يتم ذلك خارج فكرة الانتقام والتشفي من اجل خيارات دولية لاحقة لمعالجة أوضاع هؤلاء امنياً وثقافياً وانسانياً لنزع فتيل التطرف والإرهاب من جذوره.
وإيلاء أهمية خاصة للتعامل مع عائلات مقاتلي “داعش” من نساء واطفال بتوفير سبل الحماية الإنسانية لهم من اجل إعادة تطبيع حياتهم، وتصفية اثار المرحلة الداعشية التي عاشوا في اطارها في الفترات السابقة، والامر نفسه ينبغي ان يكون اطاراً للتعامل مع سكان المناطق التي كان يسيطر عليها التنظيم، وخاصة لجهة تلبية الاحتياجات المعاشية العاجلة لهم من غذاء وصحة وتعليم وأمن شخصي واجتماعي، بالتزامن مع جهود تثقيفية –دعاوية، تنزع ما يمكن ان يكون علق بحياتهم من آثار الفترات الداعشية.
لاشك في ضرورة الاهتمام بموضوع مقاتلي “داعش” الأجانب وعائلاتهم، واعطائه اهتماماً خاصاً، المحوري فيه التواصل مع الدول التي ينتمي اليها هؤلاء، ودفعها لتحمل المسؤولية والمشاركة في معالجة أوضاعهم واعادتهم الى بلدانهم، سواء جرى اعتقال بعضهم او اخضاعه لبرامج إصلاحية، ثم إعادة دمجهم في حياة بلدانهم.
لا بد من الإسراع باحلال إدارات مدنية في المناطق الخارجة عن سيطرة “داعش” بدل الإدارات العسكرية التي قادت عمليات تحرير تلك المناطق، وثمة حاجة حقيقية في ان تكون الإدارات المحلية منتخبة ومن السكان المحليين، ولها مستوى من الاستقلال الفاعل، في ما يتصل بالحياة اليومية وضمنها موضوع الامن الداخلي من اجل اخراج السكان من بيئة التشدد والتطرف الى حياة عادية.
ان فترة ما بعد التحرير ستكون الأهم والاصعب بالنسبة للمناطق التي تم انتزاعها من التنظيم. فالحرب رغم قساوتها وسوء نتائجها، تظل اسهل من إعادة الحياة لطبيعتها في تلك المناطق المدمرة، والتي لا تتوفر فيها موارد وفرص عمل وسكن وتعليم وصحة، وهذا كله يفرض وجود إدارات رشيدة ومتوازنة في تعاملها مع السكان وقضاياهم الأساسية.
المدن