صفحات الحوار

ماجد كيالي: الفلسطينيون الضحايا لا يمكن إلا أن يتعاطفوا مع الضحايا


ملهم الحمصي

دمشق: تحدث المحلل والكاتب الفلسطيني المقيم في سوريا في حديثه لـ”إيلاف” عن الوجود الفلسطيني في سوريا ودور المخيمات وتعاملهم مع السوريين، الى جانب حديثه عن الموقف الرسمي الفلسطيني تجاه الثورة.

أستاذ ماجد.. كلاجئ فلسطيني في سوريا، كيف تصف لنا الحراك السياسي هناك، وما مآلاته برأيك؟

ثمة حقائق ينبغي التأكيد عليها في سياق الحديث عن الوجود الفلسطيني في سوريا، أولها، أن اللاجئين في هذا البلد، ونسبتهم حوالي 2 في المئة من سكانه، باتوا جزءًا من النسيج الاجتماعي فيه. ثانيها، أن الفلسطينيين يدركون بأنهم مدينون لشعب سوريا في احتضانه لهم، وتعاطفه مع همومهم، وفي دعمه لكفاحهم، وليس للنظام القائم؛ فكل القوانين التي صدرت والتي تساويهم في الحقوق مع السوريين (باستثناء السياسية) صدرت قبل قيام دولة البعث (1963). ثالثها، أن الوجود الفلسطيني في سوريا ليس غريباً عن نسيجها الاجتماعي والثقافي، ولا يثقل عليه، فشعب فلسطين تاريخياً هو جزء من بلاد الشام. رابعها، أن الفلسطينيين كابدوا، أيضًا، ما كابده السوريون طوال العقود الأربعة الماضية، فمعنى “المساواة” يشمل، أيضًا، أن الفلسطينيين عانوا الحرمان من الحريات، ومن علاقات الامتهان، والإفقار المادي والمعنوي، ومن احتلال النظام لمجالهم العام والخاص؛ هكذا ثمة فلسطينيون قتلوا واعتقلوا وعذّبوا وشرّدوا واختفوا، مثلهم مثل السوريين.

ما ينبغي ملاحظته هنا أن عدم وجود “مسألة فلسطينية” في سوريا لا ينهي المشكلة، إذ يبيّن الواقع وجود مسألة سورية عند الفلسطينيين، تتمثل بمحاولة النظام السوري تحجيم الوطنية والكيانية الفلسطينيتين، وتطويعهما وتوظيفهما لأغراض تعزيز شرعيته ومكانته على الصعيد الإقليمي. ينجم عن ذلك أن المزاج العام الفلسطيني هو مزاج غير متعاطف مع النظام، إن لم يكن معارضاً له، باستثناء الاستطالات المستفيدة منه، أي أن وضع الغالبية العظمى من الفلسطينيين هو وضع الغالبية العظمى من السوريين، في إدراكاتهم للنظام ولطبيعته الاستبدادية، زد على ذلك أن اصطدام الوطنية الفلسطينية، كما تمثلت تاريخيًا في حركة فتح، بالنظام السوري، جعلها متصادمة مع النظام، أو تنظر إليه بعين الحذر.

كيف ترى دور المنظمات الحقوقية والإغاثية في التخفيف عن معاناة الشعب السوري؟

لا يمكن الحديث عن دور رئيس للمنظمات الحقوقية والاغاثية في سوريا إذ لا توجد منظمات كهذه، ولا أي من منظمات المجتمع المدني في سوريا، والموجود منها له ارتباطات بأجهزة السلطة الأمنية والسياسية ويخضع لتوجيهاتها، والباقي مجرد جمعيات خيرية، أو جمعيات تعمل في قضايا مجتمعية محددة، وهي غير مؤهلة للقيام بأعمال اغاثية أو أعمال تخدم التحقيق في الانتهاكات الجارية لحقوق الإنسان وجرائم الحرب التي يرتكبها النظام عبر أجهزته المخابراتية وقواته العسكرية مباشرة أو عبر عصابات الشبيحة بشكل غير مباشر. عدا عن ذلك فمن المعلوم أن النظام كان يحتل المجال العام، على صعيدي المجتمع والدولة، لذا فليس ثمة شيء في سورية اسمه مجتمع مدني مستقل، أما المنظمات والاتحادات الشعبية، فهي إطارات تحت السيطرة وتعمل تحت قيادة الحزب والأجهزة الأمنية، وليس لها أي دور أو حياة داخلية مستقلة.

فوق كل ما تقدم، تبدو سوريا وكأنها تعيش حالة حرب بسبب انتهاج النظام للحل الأمني، والذي نجم عنه نشر الجيش والأمن والشبيحة في كل أنحاء البلاد، وعند كل مفاصل الشوارع والساحات، لذا ففي هذه الحال من الصعب الحديث عن عمل إغاثي وحقوقي في سوريا بمعنى الكلمة.

لكن ما يجب التنويه له انه على هامش كل ذلك، ومن ضمن فعاليات الثورة الشعبية ذاتها، انبثقت بعض المنظمات التي تلعب دورًا اغاثيًا (منظمة نجدة ناو) وهي تعتمد على العمل الطوعي، وعلى التبرعات، وتعمل في نطاق معين من السرية والاعتبارات الأمنية. أما على الصعيد الحقوقي، وعلى صعيد توثيق جرائم النظام، وتوثيق أعداد الشهداء فثمة عديد من المراكز التي تقوم بهذه الخدمة، بإدارة مجموعة من النشطاء والحقوقيين، وتبرز من بينهم المحامية الناشطة رزان زيتونة.

برز مؤخراً دور مخيمات اللاجئين الفلسطينيين المهم في إغاثة وتأمين الملجأ للشعب السوري، ما رأيك بهذه الخطوة؟

منذ الأشهر الأولى للثورة السورية باتت المخيمات الفلسطينية، لا سيما الموجودة في المدن الساخنة في سوريا (حمص ودرعا وحماه واللاذقية)، بمثابة مناطق آمنة بالنسبة لأهالي المناطق المنكوبة. وقد عبّر الفلسطينيون في ذلك عن تضامنهم مع الشعب السوري، الذي احتضنهم طوال 64 عاماً، لا سيما مع شعورهم بأن الألم والأمل واحد، وأنه في ظروف مصيرية كهذه لا يمكن التفريق بين سوري وفلسطيني.

 هكذا قدمت المخيمات لأهالي المناطق المنكوبة إمكانيات السكن، في البيوت والمدارس والجوامع، كما تم تقديم العون الطبي والتمويني لهم. وفي خضم ذلك سقط شهداء من المخيمات المجاورة للمناطق السورية، وثمة فلسطينيون اعتقلوا أو أصيبوا بسبب ذلك، كما أن المخيمات ذاتها تعرضت للقصف ولانتهاكات المسلحين من أجهزة الأمن والشبيحة والجيش، ويخشى الآن أن قسماً كبيراً من مخيمي درعا واللاذقية قد تم تدميره نتيجة القصف المشدد عليهما.

المخيمات الفلسطينية باتت تشكل ملاذًا آمنًا للسوريين

لكن صورة احتضان مخيم اليرموك للاجئين الفلسطينيين لجواره هي التي طغت ربما على باقي المخيمات، فهذا المخيم يقع في العاصمة، وهو أكبر مخيمات اللاجئين قاطبة، من حيث الحجم والعدد.

ويقع مخيم اليرموك جنوبي مدينة دمشق، وكان منذ البداية يستقبل النازحين إليه من المدن والمناطق الأخرى، لكن صيته ذاع أكثر تحديدا، منذ منتصف شهر تموز (يوليو 2012). ففي تلك الفترة تعرضت مناطق “التضامن” و”التقدم” المجاورتين لهجمة عسكرية، ولموجة من القصف، ما أصاب أهالي هذين الحيين بالذعر، الذي نجمت عنه موجة نزوح واسعة إلى مخيم اليرموك. هذا وقد استطاع شباب المخيم استيعاب هذه الموجة، حيث وفروا احتياجات النازحين، من السكن إلى لوازم السكن، إلى الطعام واللباس والإغاثة الطبية وكل مستلزمات الراحة، لإشعارهم بالأمان والاطمئنان، وكأنهم في بيوتهم. طبعًا في هذه الفترة دخلت مخيمات أخرى على خط الاستضافة ومنها مخيمات خان الشيح والحسينية والسبينة في دمشق، والنيرب في حلب.

كيف ترى تفاعل الشارع الفلسطيني مع الحراك الشعبي السوري؟

يجب أن نميّز في هذا الإطار بين مشاركة المخيمات كمخيمات، أي كحالة جمعية، وبين مشاركة الفلسطينيين كأفراد. كما ينبغي، أيضاً، أن نميّز خصوصية مخيم عن آخر. هكذا، فبالنسبة للمشاركة الجمعية نجد أن المخيمات في المناطق الساخنة اندمجت بالحراكات الجارية في جوارها، هذا حصل في مخيمات اللاذقية ودرعا وحماه وحمص. وعلى الصعيد الفردي ففي معمعان الثورة، ثمة فلسطينيون من كل المخيمات استشهدوا واعتقلوا وعذّبوا واختطفوا، بحكم ميولهم وعواطفهم السياسية، وخياراتهم الشخصية كأفراد.

وبشأن مخيمات دمشق وحلب، وفي الواقع فإن ما يصحّ على الأحياء الشعبية في هاتين المدينتين يصحّ على المخيمات فيها، دون أن يلغي ذلك أن ثمة فلسطينيين في مخيمات دمشق وحلب، كما في غيرها، أسهموا في الثورة بطريقة أو بأخرى، حيث ثمة أطباء ساهموا في علاج الجرحى، وبيوت في المخيمات آوت مشرّدين، وعائلات اقتسمت لقمة عيشها مع جيرانها، وثمة قلوب رجفت خوفاً على الأصدقاء، وعيون بكت السوريين كما لم تبكِ فلسطينيين. يبقى أن ننتبه إلى أن مخيمات اللاجئين في حلب ودمشق تشهد عمليات شد وجذب، فالأجهزة الأمنية السورية والشبيحة والاستطالات الفلسطينية التابعة لها، تعمل بدأب على الترويج لإشاعات، واختلاق مشكلات، واستغلال أحداث مريبة وغامضة، من اجل قلب المزاج الفلسطيني من مزاج مناصر للثورة إلى مزاج معادٍ لها. هذا بالترافق مع محاولاتهم ترويع الأهالي في المخيمات من خلال تسليح جماعات من الشبيحة وإطلاقهم على المتظاهرين.

وعلى العموم، فإن تلك المخيمات ليست متروكة لهؤلاء،، فثمة جهد في المقابل يقوم به شباب شجعان لصدّ هذه الهجمة، وللحفاظ على المخيمات باعتبارها بيئة شعبية مناصرة للثورة السورية، ويرتبط مصيرها بمصير الشعب السوري. مع ذلك ربما يجب التمييز بين مسألتي الحياد وعدم زجّ المخيمات في الشأن السوري، فبينما لا حياد إزاء القضايا العادلة قضايا الحرية والكرامة والعدالة، وضمنها مناصرة الثورة السورية المشروعة، فإن عدم زجّ المخيمات، كمخيمات، بالشأن السوري، يتعلق بتجنيبها مخاطر الفتنة والإشاعات المريبة والأعمال المشبوهة، والتسليح.

كيف تنظر إلى موقف الفصائل الفلسطينية في سوريا؟

تفاوتت مواقف الكيانات السياسية الفلسطينية مما يجري في سوريا. فهذه القيادة الرسمية (وهي قيادة المنظمة والسلطة وفتح)، مثلاً، التي كانت اتّخذت موقفاً حذراً وبارداً من ثورات تونس ومصر واليمن وليبيا، تماهياً منها مع النظام الرسمي العربي، وبالنظر إلى التجارب المريرة السابقة، اتخذت الأمر ذاته بالنسبة إلى الثورة في سورية، رغم العلاقة الفاترة بينها وبين النظام فيها، بسبب مناهضته لسياساتها، ودعمه معارضتها؛  ورغم المزاج «الفتحاوي» المعروف بتبرّمه من النظام السوري. أما فصائل «اليسار» فلم يكن موقفها أحسن حالاً، رغم أنها تتحدّث بلغة مزدوجة، بمسايرتها النظام في اعتبار ما يجري مجرّد مؤامرة وتدخّلات خارجية حيناً، وبمسايرتها المطالب الشعبية المتعلّقة بالحرية والديمقراطية والعدالة الاجتماعية حيناً آخر؛ وعلى أي حال فإن هذه الفصائل لم تعد مؤثّرة في توجيه دفّة السياسات الفلسطينية، أو في مجال المجتمع.

ولعلّ حركة «حماس» كانت الفصيل الأكثر تأثّراً، وتفاعلاً، إزاء ما يجري في سوريا، ومع ذلك فقد اتّسمت سياساتها في البداية بالتردد، إذ هي مؤيّدة لثورات «الربيع العربي»، بخاصّةٍ مع رؤيتها الصعود الباهر للتيارات الإسلامية في تلك الثورات، إلا أنها في حيرة إزاء الثورة السورية، حيث شكلت سوريا حاضناً وداعماً لها، ومعزّزاً لشرعيتها ولمكانتها (مع محور طهران ـ دمشق ـ حزب الله ـ حماس). وعلى العموم، فقد حسمت «حماس» أمرها، بعد حين، بإخراج قيادييها، وبنقل مقرات قيادتها، من دمشق إلى القاهرة وقطر، بطريقة هادئة، ومن دون طلاق معلن، في ما بدا أنه بمثابة خروج، أيضاً، من المحور المذكور.

يبقى دور الفصائل الفلسطينية الموجودة حصراً في سوريا، فهذه وجدت نفسها في مواجهة تحدٍ كبير إزاء احتمال تغيّر الأوضاع في هذا البلد، بواقع معارضتها قيادة المنظمة والسلطة، وبحكم أنها تدين بوجودها وبمكانتها وحتى بشرعيتها النظام السوري، لا سيما أنها، ومنذ زمن، لم يعد يلحظ لها أي دور في مواجهة العدوّ، ولم تعد لها مكانة وازنة بين شعبها، ولا تشكّل نموذجاً يحتذى ولا على أي صعيد. وربما أن هذا الوضع نمّى عند بعض هذه الفصائل قناعة مفادها أن مصيرها بات وثيق الصلة بمصير النظام، ما يفسّر المواقف والسلوكيات المتوتّرة التي باتت تعتمدها، وضمن ذلك محاولاتها إقحام المخيمات في ما يجري، بطريقة أو بأخرى، أي ان هذه المنظمات لعبت دورا سلبيا لانحيازها الواضح إلى جانب النظام وعلى الضد من ثورة الحرية التي يخوضها الشعب السوري. وبديهي أن ذلك انعكس سلبا على وضع المخيمات التي عانت من التوتر على خلفية ذلك، وعلى خلفية محاولات هذه الفصائل إثارة الفتن بين بعض المخيمات وجواره السوري، كما محاولاتها خلق جماعات مسلحة في المخيمات ذاتها، بدعوى الحماية الذاتية.

ما موقف الشارع الفلسطيني من بعض الفصائل الفلسطينية التي أعلنت ولاءها للنظام السوري، وكيف يؤثر ذلك على الوجود الفلسطيني في سوريا؟

لنكن هنا صريحين، من حيث المبدأ، فإن كيانات الثورة السورية لم تطلب شيئا من الفلسطينيين، ولا من الفصائل الفلسطينية، وهي حتى لم تحاول جعل المخيمات بمثابة ساحة عمل لها، بل أنها في المناطق المجاورة للمخيمات كانت تتجنب أن تصل فاعلياتها (المظاهرات والاعتصامات) إلى حدود المخيم. لكن المشكلة أن النظام الذي كان اعمى وأحمق في مواجهة شعبه، كان اعمى وأحمق بحيث انه أيضا استهدف المخيمات والفلسطينيين في محاربته للثورة السورية. وهذا ينطبق على الفصائل الفلسطينية الموالية للنظام، والتي حاولت إثارة الفتن بين مخيم ما وجواره، والتصريح بمعاداتها للثورة السورية.

 وعلى العموم فإن الموقف الفلسطيني الرسمي مما يجري في سوريا هو موقف جبان من الناحية السياسية، رغم انه يتذرع بالتجربة التاريخية (للتدخلات الفلسطينية من الأردن إلى لبنان والكويت والعراق) لكن هذه الادعاءات غير مقنعة، فهنا المسألة تتعلق بقضية شعب، وبمصير شعب، والأرجح أن القيادة الرسمية الفلسطينية وبقية الفصائل باتت بمثابة واحد من الأنظمة، وإنها تشعر بأن رياح الربيع العربي التي هبت لابد أن تأخذها بطريقها آجلا أم عاجلا، وهو ما يفسر موقفها الحائر أو المخجل، علما انه ليس مطلوبا منها أي شيء، على الصعيد العملي، المطلوب فقط مجرد موقف أخلاقي وموقف سياسي، إزاء مناصرة الشعب السوري في طلبه على الحرية. وفي هذا الإطار يبدو موقف حركة حماس أكثر تقدما عن غيرها، ربما لأسباب برجماتية، تتعلق بأن هذه الحركة ترى في أن الربيع العربي ربما يضفي عليها شرعية، لاسيما مع صعود الإسلام السياسي ووصوله إلى سدة السلطة في عديد من البلدان.

كلمتي الأخيرة تتلخص في أن الفلسطينيين الضحايا لا يمكن إلا أن يتعاطفوا مع الضحايا، الذين يتوقون إلى الحرية والكرامة والعدالة، لاسيما أنهم كابدوا، على مدار عقود هذا التوق، ويعرفون معانيه. وبالتأكيد فإن الفلسطينيين، في ادراكاتهم العفوية هذه، يدركون بأن ما هو جيد للسوريين لابد أن يكون جيدا لهم، وأن قضية الحرية لا تتجزأ، وان قيام دولة المواطنين، ودولة المؤسسات والقانون، التي تصون الحريات والكرامات، في سوريا، ستكون أفضل لهم، على مستوى شؤونهم المعيشية، وعلى مستوى تمكينهم من العمل من اجل استعادة حقوقهم الوطنية.

ايلاف

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى