صفحات العالم

ماذا بعد “فرصة” عنان للنظام السوري؟


محمد الحمادي

إيران تدفع وروسيا تدافع والمجتمع الدولي والعرب يتدافعون أما المدفوع إلى المجهول فهو الشعب السوري. ذاك هو المشهد التراجيدي الذي يعيشه السوريون وأصدقاؤهم ومن يتمنون الخير لسوريا، فأكثر من عام وهذا الشعب يعيش انتفاضته الشعبية المشروعة ضد نظامه، والعالم من حوله يتدافع متخبطاً، يخرج من اجتماع ليدخل في اجتماع آخر، ويتبنى قرارات لتأتي بعدها قرارات أخرى لا تختلف عن سابقتها، ويشكل لجاناً ووفوداً لتأتي لجان غيرها ووفود أخرى تحل محلها.

آخر تلك التحركات كانت محاولة عنان المبعوث المشترك للأمم المتحدة والجامعة العربية، والذي أبلغ مجلس الأمن أن سوريا أبلغته أمس الأول بالموافقة على وقف القتال في العاشر من الشهر الحالي، وأن الوقف الكامل لأعمال العنف يجب أن يتم خلال الساعات الـ48 التي تلي هذا الموعد. وتتكون خطة عنان من ست نقاط هي: الالتزام بالعمل من أجل عملية سياسية شاملة يقودها السوريون، وقف جميع عمليات القتال، هدنة لإدخال المساعدات الإنسانية، الإفراج عن كل المعتقلين تعسفياً، ضمان حرية الحركة للصحفيين، واحترام الحق في التظاهر السلمي.

والسؤال هو من اليوم وحتى يوم الخميس بعد المقبل، ما الذي يضمن التزام النظام السوري بهذا الوعد، خصوصاً أنه لم يعد خافياً على أحد “شراء” النظام السوري للوقت لتصفية أكبر عدد من معارضيه؟ لا شيء يضمن، وبالتالي فالسؤال التالي هو: ما الذي سيقوم به العالم تجاه عدم تنفيذ خطة عنان؟ هل سنكون على موعد جديد لمؤتمر أصدقاء سوريا ليؤكد العالم ما سبق وأكد عليه؟!

إن المجتمع الدولي بتباطئه في التعامل مع أزمة الشعب السوري يكون شريكاً في كل قطرة دم تُسال على تلك الأرض، فالعالم بتباطئه يعطي النظام فرصةً أكبر لتصفية معارضيه. وروسيا التي لا تتوقف عن الدفاع عن النظام السوري وحمايته من أية عقوبات دولية ترتكب خطأً في حق هذا الشعب الأعزل.

والأمر المثير في هذه القضية هو تباطؤ العالم في إنقاذ الشعب السوري الذي قتل منه إلى الآن -حسب أرقام المنظمات الدولية- أكثر من عشرة آلاف شخص بينهم كثير من الأطفال والنساء، ولا يزال النظام السوري يقول إنه يحارب إرهابيين ومجرمين. والملفت أكثر في القضية السورية أن العالم الغربي الذي يتكلم عن حرية الشعوب يقف عاجزاً أمام ما يقوم به النظام السوري من جرائم في حق المدنيين، وهذا موقف غريب يثير اشمئزاز أي عاقل في العالم.

إذا كانت إيران -حسب التقارير الغربية- تدفع فواتير حرب النظام السوري ضد شعبه فلماذا يتردد العالم في دعم فواتير مقاومة هذا الشعب ضد نظام لم يرحمه عندما طالب بحقوقه بل ظلمه طوال سنوات كثيرة وأمعن في ظلمه؟! وإيران تفعل ذلك حفاظاً على مصالحها في المنطقة، فلماذا لا يقاتل العرب من أجل المحافظة على حقوقهم المشروعة؟!

الدول العربية مطالبة بالخروج من عباءة ردة الفعل والانعتاق من انتظار الموقف الغربي والدولي، فالغرب له مصالحه المادية التي اتضح أنها تحركه أكثر مما تحركه أية مبادئ أخلاقية أو إنسانية، لذا فإن الانتظار أكثر لا معنى له.

الحكومة التركية أثارت غضب المعارضة السورية واستياء الكثيرين بسبب موقفها المتقاعس واكتفائها بترديد الشعارات والالتزام بالكلام بما لا تفعله في هذه القضية السورية، وفي مقابل ذلك تصر تركيا على أنها تبذل ما بوسعها وأنها لن تتخلى عن الشعب السوري.

والواقع أن تركيا تكتفي بلعب الدور البروتوكولي في هذه الأزمة فموقفها المتردد بين عدم وضوح توجهها في هذه الأزمة، وفي مؤتمر أصدقاء سوريا الذي عقد في إسطنبول منذ أيام وشارك فيه ممثلو أكثر من سبعين دولة وناقش تقديم الدعم للمعارضة وزيادة الضغط على حكومة الأسد لتطبيق بنود خطة السلام التي اقترحها عنان. أما رئيس “المجلس الوطني السوري” برهان غليون فطالب بتسليح الجيش السوري الحر. وبينما لا يتوقف أصدقاء سوريا عن المطالبة والكلام الدبلوماسي المنمق فإن النظام السوري لا يتكلم إلا بلغة السلاح التي تفتك بكل شيء على وجه الأرض.

وإذا كان العالم الحر لا يريد الوقوف مع هذا الشعب فعليه أن لا يعده بأي شيء ولا يدفعه إلى الأمام أكثر فأكثر إلى أن يسقط في الهاوية، كل ما يريده الشعب السوري اليوم هو المال لشراء السلاح دفاعاً عن نفسه، فهل لدى العالم الغربي أو العرب أي شك في أن هؤلاء مواطنين سوريين يطالبون بحقوقهم وبالتالي يستحقون الدعم أم أن هناك شكاً في أن تلك الأموال وذلك السلاح قد يقع بأيدي الإرهاببيين أو الجماعات الإسلامية المتطرفة؟!

العالم بحاجة إلى قليل من الصدق مع شعب يريد الخلاص من نظام جثم على صدره لأكثر من أربعين عاماً، يريد الخلاص من نظام حول البلد إلى إقطاع لعائلة الرئيس وأصدقائه وأفراد حزبه. إنه حق مشروع في زمن أصبحت فيه كلمة الشعب هي العليا. والسؤال الأخير: هل من المجدي الحديث بالسياسة مع نظام لا يفهم إلا لغة السلاح؟

الاتحاد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى