ماذا تبقى من مقاومة حزب الله؟/ راتب شعبو
لم يتأخر حزب الله في الرد على العملية الإسرائيلية التي استهدفت عناصر له، مع ضابط إيراني، في القنيطرة السورية. على الأقل، أظهر الحزب حرصاً على صورته أمام جمهوره، ولم يرم احتمال الرد في مجهول سحيق اسمه “المكان والزمان الملائمان”، كما اعتاد أن يفعل شريكه في “المقاومة”. مع ذلك، يتحمل ما جرى يتحمل الملاحظات التالية:
أولاً، لم يكن الرد مزلزلاً كما توعد المتوعدون، ومن الناحية العسكرية، لم يكن حتى بمستوى الفعل الإسرائيلي، فمقابل ستة كوادر من حزب الله، بينهم ضابط إيراني مهم، قتلت العملية جنديين. لكنه، في كل الأحوال، رد شيئاً من الاعتبار، وسمح لكثيرين منا أن يبتهجوا ويباركوا ويهللوا، على خلفية بؤسنا، وإذلالنا العام أمام إسرائيل وأميركا.
ثانياً، مما يحسب لرد حزب الله أنه استهدف الجيش الإسرائيلي، ولم يستهدف مدنيين إسرائيليين، وفي منطقة محتلة، وكان محسوباً، من حيث المنطقة التي استهدفها، ومن حيث التنفيذ عن بعد من دون اختراق الحدود، أو حتى من حيث تصريحات محللي حزب الله وإعلامييه، بحيث لا يستجر رداً إسرائيلياً عنيفاً يجر إلى الحرب. وهناك من يقول إن واشنطن كفلت حق حزب الله وإيران بعمل انتقامي محدود، من دون رد من إسرائيل التي اخترقت بعملها اتفاقية وقف إطلاق النار لعام 1974. وكان قول رئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو، لافتاً، إنه إذا تكرر الهجوم فسوف يرد، ما يشير إلى أن هذا الهجوم “مقبول”.
ثالثاً، الملاحظة الأهم أن حزب الله، بعد صمت طويل، يهاجم المحتل الإسرائيلي انتقاماً لعناصره (كان هذا الرد أعنف هجوم منذ نهاية حزب يوليو/تموز-أغسطس/آب 2006). أي لم يكن رد فعل حزب الله فعلاً مقاوماً، بعد كل هذا الصمت، بل رداً على اعتداء إسرائيلي. كان في الواقع عملاً ثأرياً محدوداً، بعد كل هذه الفترة من “السلام” التي كان الحزب خلالها غارقاً في صراعات سياسية داخل لبنان (مناكفات حكومية مع مجموعة 14 آذار، واعتصام وسط بيروت دام حوالي السنة نصف، وهجوم في 7 مايو/أيار 2008 على قوى 14 آذار، إثر تبني الحكومة قراراً بمصادرة شبكة اتصالات حزب الله، الهجوم الذي قاد إلى اتفاق الدوحة ..إلخ). ثم في الصراع السوري الذي فسره الحزب على أنه موجّه ضده من باب طائفي، فرأى أن حماية المقامات الشيعية في سورية، والدفاع عن النظام السوري المستبد يشكلات حماية “للمقاومة”، ما ينتهي إلى ربط المقاومة، بوضوح، ببعدين، طائفي واستبدادي.
“لم يكن رد فعل حزب الله فعلاً مقاوماً، بعد كل هذا الصمت، بل عملاً ثأرياً محدوداً”
وإلى الملاحظة السابقة، نضيف إن المقاومة فعل مستمر، طالما استمر الاحتلال، وهذا ما كان عليه نشاط حزب الله، حتى تحرير الجنوب. بعد 25 مايو/أيار 2000، طرأ تغير مهم في وظيفة الحزب، كان عنوانها التحول من موقع “المقاومة” إلى موقع “الجيش”، وهذا يتضمن التحول من موقع قوة التغيير التقدمية، العاملة على تغيير الشروط السلبية (وهي هنا الاحتلال) إلى موقع قوة الاستقرار. في 2006، انتصر حزب الله بأمرين: أولاً، لأنه استطاع أن يحرر الأسرى، وأن يعيد الاعتبار إلى رفاة شهداء سقطوا في سياق النضال العسير مع الاحتلال الإسرائيلي. وثانياً، لأنه وقف في وجه الجيش الإسرائيلي، وأظهر أن هناك حدوداً لما يريده هذا الجيش السرطاني. لكن، في الوقت نفسه، أبرزت حرب 2006 انقساماً حاداً في المجتمع اللبناني، وكلفت لبنان تبعات اقتصادية وبشرية غير قليلة. وكانت بمثابة تدشين تحول حزب الله إلى قوة استقرار في منظومة، أو محور سمى نفسه محور المقاومة، نسبة إلى ما كان عليه الحزب، وما أنجزه وبات جزءاً من ماضيه، ولكن لم يعد من حاضره. حين يقوم حزب الله بعملية انتقام لعناصره، بعد سنوات طويلة من سكوته عن الأرض اللبنانية المحتلة التي يقول إنها مبرر احتفاظه بالسلاح. هذا يعني أنه تحول إلى قوة استقرار، وليس قوة مقاومة، إلا إذا اعتبر أن المقاومة هي مجرد بقائه، من دون أي فعل مقاوم حقيقي. عندئذٍ، فإنه يدخل في مفهوم “الممانعة” التي هي مسخ المقاومة، أو هي المقاومة حين تتبناها الأنظمة المستبدة والتابعة، والتي تعتبر ديمومتها في الحكم المصلحة العليا للبلد.
العربي الجديد