ماذا تبقى من هيئة التنسيق !
يوسف برهان – مجلة غرافيتي
أطلقت هيئة التنسيق بيانها التأسيسي في نهاية الشهر السادس من العام الماضي، وقد ركزت فيه على ضرورة وقف الحل الأمني ومن أجل إيجاد الأرضية المناسبة لبدء الحوار الوطني الموسع، وقع على البيان اثنا عشر حزب وكيان سياسي، أغلبها ذو توجه يساري، ومن بينها أربعة أحزاب كوردية وعدد من الشخصيات المستقلة. وقد اجتذبت الهيئة في بداياتها عدد من النشطاء الشباب والوجوه الوطنية كعارف دليلة و ميا الرحبي وروزا ياسين حسن وخولة دنيا وناهد بدوية، وانضمت لها فيما بعد حركة معاً وجزب الاتحاد السرياني.
لغة خشبية لا تصلح حتى للنجار
لم تستطع هيئة التنسيق أن تلتقط حساسيات الشارع وترجمتها في أداء سياسي معقول وأثرت العمل بشكل نخبوي متأثرة بتكوينها السياسي اليساري، فأغفلت أن ما تعيشه سوريا ثورة شعب، لا هيجان جماهير تحتاج إلى “طليعة” تقودها. وقد ظهر ذلك جلياً بعد مؤتمرها الذي عقدته في الداخل السوري في ريف دمشق والذي لم يحتوي على مقولة “إسقاط النظام” الأمر الذي جلب لها سخطاً شعبياً كبيراً الذي اتسع خصيصاً بعد ظهور عدة محاولات للتنسيق بين الهيئة ووالحكومات الإيرانية والروسية وبعد ظهور المقاومة المسلحة والموقف العدائي الذي أبدته هيئة التنسيق تجاهها.
بداية الانشقاقات
بعد مؤتمر حلبون بشهرين، اجتاحت الهيئة موجة من الانشقاقات في شهر تشرين الثاني حيث انشق عضو في اللجنة المركزية مروة الغميان وهي أحد أبرز النشطاء الشبابين الذين اجتذبتهم الهيئة وأصدرت بياناً اتهمت فيه الهيئة بالتنسيق مع المخابرات السورية ، كما انشق عدد كبير من النشطاء والحقوقين والوجوه السياسية المقربة من حزب الاتحاد الاشتراكي كعروبة بركات و د.عاطف صابوني متهمين الهيئة بالعمالة للنظام ومعلنين عن تشكيل “تجمع الحرية والكرامة لدعم الثورة السورية” ، وكان قد سبق هذا الانشقاق انسحاب حزب يكيتي الكوردي في شهر آب، وفي مطلع السنة الجديدة علقت كل الأحزاب الكوردية عضويتها عدا حزب الاتحاد الديموقراطي الكوردي المقرب من النظام عقب تأسيس المجلس الوطني الكوردي، وفي نيسان من عام 2012 انسحب حزب الاتحاد السورياني من الهيئة وكذلك برزت في الفترة نفسها تصدعات في حزب الاتحاد الاشتراكي الديموقراطي حيث نشر بعض شبابه على صفحته على موقع فيسبوك بياناً لانسحابه من الهيئة ما لبث أن تراجع عنه الحزب، وبعد ذلك بفترة أعلنت مجموعة من أعضاء الحزب في مصياف ودوما ودرعا وعن انشقاقهم عن حزبهم وتبعها انشقاق بعض الوجوه المستقلة حيث أعلنت الدكتورة ميا الرحبي عن انشقاقها ووجهت الناشطة البارزة خولة دنيا انتقادات حدية للهيئة بدت أشبه باستقالة من الهيئة.
المنبر الديموقراطي يقسم ظهر البعير .. ليبرز القائد الملهم !
في إحدى مقالاته في السفير، نعى ميشيل كيلو هيئة التنسيق فقد وجد أن أحزاب الاتحاد الوطني الديموقراطي قد أخطأت بالتحالف “مع منظمات يسارية، بالأحرى يسراوية … عرفت .. بمحاولاتها شق أحزاب المعارضة بزعم أنها ليست ثورية ولا تطالب بإسقاط نظام حافظ الأسد، وتحول بالتالي دون انتقال البلاد إلى النظام الاشتراكي” و اضاف كيلو أن الهيئة “عانت من حال بطالة سياسية جدية في الداخل، بعد ما اكتسبه المجلس “الوطني” (إضافة من المحرر) من طابع تمثيلي لدى السوريين. ثم، حين قررت التحرك، لم يفتح الله عليها بخطة أحسن من العمل على مطاردته من مكان إلى آخر، ومحاولة بناء علاقات خارجية موازية لعلاقاته المتشعبة “.
كان هذا المقال معنوناً ب “المنبر الديموقراطي السوري” وهو اسم الإئتلاف السياسي الجديد الذي أعلن عن تشكيله مجموعة من الوجوه الوطنية كميشيل كيلو وحازم نهار الذي كانت استقالته من الهيئة ، وهو أحد عرابيها، ضربة مؤلمة وقد تمكن المنبر من اجتذاب أكبر قدر من الوجوه الوطنية المعروفة بخطابها النقدي للعسكرة وللتدخل الخارجي كعارف دليلة وفايز سارة وسمير العيطة وكذلك استطاع اجتذاب نسبة كبيرة من نشطاء الحراك السلمي الشباب، وقد كان لخطاب المنبر الإعلامي الجيد دوراً في تحويل الهيئة إلى مجموعة هياكل هرمة عاجزة عن اكتساب أي تعاطف جماهيري.
وقد كان لأداء هيثم مناع منسق الهيئة في المهر دوراً هاماً في تقليص شعبية الهيئة بسبب خطابه الاستعلائي الذي احتقر الكثير من التعبيرات الشعبية كلجيش الحر ويقول فائق المير، القيادي في إعلان دمشق، واصفاً أداء مناع السياسي “على هذا العهر السياسي أعتقد أنّ غربة هيثم مناع ستطول .فبعد انتصار الثورة مالذي يستطيع قوله ؟ , وكيف له أن يبرر ماقام به من تشكيك وتلطيخ لسمعة الثورة , يفوق ماقام به خالد عبود وشريف شحادة و… “.
آخر الأفلام !
وكانت هيئة التنسيق قد أصدرت منذ ما يقارب العشرة ايام مبادرة سياسية تهدف «لوقف العنف وتحقيق تغيير ديموقراطي جذري في البلاد» كما ورد في متنها. وقد دعت المبادرة “الى التوافق على هدنة مؤقتة بين جميع الأطراف التي تمارس العمل المسلّح وفي مقدمتها قوى النظام”، وطالب “جميع الأطراف بإطلاق سراح جميع المعتقلين”، والسماح لعمل هيئات الإغاثة . ودعت الأمم المتحدة للإشراف على تنفيذ هذه الخطة »، وقد انتقد الكثير من المعارضون هذه المبادرة وأغفلها الإعلام ولم تحظى بأي اهتمام دولي بل كانت حصيلتها تكريس الغموض والشبهات التي تصيب الهيئة وحملة من الانتقادات الساخرة فكان تعليق أحد المعارضين البارزين “بمناسبة مبادرة هيئة التنسيق الوطنية الصادرة , تذكرت قولاً للسيد المسيح عليه السلام : دع الموتى يدفنون موتاهم.”
ولم يتوقف الأمر على ذلك فقد حصلت مجموعة من الخلافات على إثر إطلاق المبادرة حيث أصدر حسين العودات، وهو الوجه الأكثر شعبية في الهيئة بياناً يعترض فيه على البادرة وكذلك قام كل من بسام الملك وميس كريدي ومنصور الأتاسي وهم أعضاء المكتب التنفيذي بالاعتراض على المبادرة التي يبدو أن المناع وعبد العزيز الخيّر كانا قد اصدراها دون المرور على المكتب التنفيذي!
خود هيثم وارحل عنا !
مؤخراً، تم استبعاد الهيئة عن اتفاق التوحد بين فصائل المعارضة السورية بالاعتماد على وثيقة العهد الوطني التي وقعتها الهيئة في القاهرة، ويقول ممثلون للمعارضة السورية في القاهرة إنهم اتفقوا في مواقفهم بشأن المرحلة الانتقالية بما في ذلك المكون الكردي، فيما قرروا إبعاد هيئة التنسيق السورية «لأن مبادرتها الأخيرة لا تتوافق نصاً وروحاً مع الوثائق التي خرجت عن مؤتمر القاهرة بشأن العهد الوطني والمرحلة الانتقالية».