صفحات العالم

ماذا تريد روسيا من الأزمة السورية؟

 

عفيف رزق

يتساءل المراقبون عما تريده روسيا لتفك ارتباطها الوثيق بالنظام السوري، هل ترغب في ان يُطمئنها الغرب، وفي طليعتهم الولايات المتحدة الاميركية، من ان التدخل العسكري، اذا ما حصل في سوريا، إما لتغيير النظام او لإرغام الرئيس السوري على التخلي عن السلطة، لن يمتد الى الجوار الروسي، او الى حلفاء موسكو في المنطقة ومنهم ايران مثلاً؟ هل يرغب الكرملين في إعادة إحياء التراث السوفياتي، وبالتالي الروابط الوثيقة، بالعالم العربي، التي اصابها الوهن والضعف في منطقة الشرق الاوسط بعد الربيع العربي؟ أم تريد الحفاظ على الوجود الروسي الذي أقامته خلال ربع قرن من الزمن في البلاد العربية والذي كان مفيداً جداً للدبلوماسية الروسية، فهو من جهة سمح لها إيجاد جيش من الدبلوماسيين المدربين والعارفين ليس باللغة العربية فقط بل بطبائع وحضارة سكانها مما اتاح لها، وهذا هو الاهم، البقاء كعامل اساسي في مناقشة وتقديم المقترحات لأزمات المنطقة وخصوصاً في النزاع العربي الاسرائيلي حتى اصبحت موافقتها، تقريباً، ضرورية لأي قرار ولتبني اي مقترح؟ ألم يكن لحديث وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف معنى مهماً عندما قال، بعد اجتماع منتدى التعاون الروسي العربي، الذي كانت تخطط له موسكو منذ ثلاثة اعوام، في العشرين من شهر شباط الماضي، ان على دول المنطقة عدم الاعتماد على جهة واحدة، بل عليها الاحتفاظ باتصالات متعددة الاتجاهات لضمان الاستقرار؟ واخيراً، هل التصلب الروسي في دعم النظام السوري هو وسيلة لكسب الوقت الى حين التوصل الى حوار سياسي يؤمن المصالج الروسية في سوريا كما في بلدان المنطقة.

بالتأكيد ان الكرملين لن يحصل على تنفيذ جميع نتائج هذه التساؤلات لصالحه، لكن الاكيد ان بوتين سيحصل على جزء منها، وان بنسب مختلفة، فروسيا اليوم، وكما قال احد المحللين السياسيين الغربيين، في ظل بوتين تتبنى نهجاً متشدداً لأنها تحمل قدراً كبيراً من الغضب يعكس آمالاً ضائعة لقوة عظمى تراجعت الى حد ما، لكنها ما تزال قادرة على الإضطلاع بمسؤولياتها، اذ انها لدى حلفائها قادرة على مساعدة او إعاقة مخططات واهداف الدبلوماسية الاميركية.

يشعر المراقب ان ما يُصيب سوريا، اليوم، من دمار ممنهج وقتال شرس بين النظام والثوار، ومن الاف الضحايا فضلاً عن مئات الاف المهجرين… ان الحل السلمي السياسي ما زال مستبعداً، على الاقل في المدى المنظور، على رغم ما تشهده الساحتان الإقليمية والدولية من مؤتمرات ولقاءات ثنائية وجماعية بين الاطراف المتحاربة : الثوار والمؤيدين للنظام.. ، ومنتديات واجتماعات للمؤسسات الدولية والاقليمية… لكن ذلك لم يحقق أي خرق يُنبئ بالوصول الى نهاية المأزق الذي تتخبط به الاطراف المعنية، فالوقائع الميدانية تؤكد عجز النظام عن حسم الوضع لصالحه والمعارضة ليست قادرة على انهاء القتال لمصلحتها في المدى القريب، يُضاف الى ذلك ان الحل السلمي، هو الآخر في مأزق لأن مطالب الطرفين. ما زالت، متباعدة لا بل متناقضة. على رغم من كل ذلك فإن الاوساط،المتابعة لما يجري على الساحة السورية، ترى ان هناك العديد من المشاريع تُطبخ، بعيداً عن العلنية، بين القوتين المؤثرتين، الولايات المتحدة وروسيا، لفرض وقف اطلاق النار وبدء العملية السياسية،من اشهر هذه المشاريع اثنان تم تسريب الخطوط الرئيسية لكل منهما:

الاول: تم تداوله بين وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف ونظيره الاميركي جون كيري، يقوم على تسلم الوزير الروسي تنفيذ الجزء الاهم منه، انما بعد اخراج المسلمين المتشددين، وفي طليعتهم ًجبهة النصرة ً من سوريا، حيث يصبح بمقدور الدبلوماسية الروسية تغيير موقفها الداعم للنظام في سوريا لتعمل على إقناع رأس النظام بشار الاسد، من اجل الامة السورية، شعباً وارضاً، الوقوف جانباً والسماح بالإنتقال الى تشكيل حكومة جديدة طبقاً لما جاء في بيان جنيف الذي صدر في الثلاثين من حزيران 2012. فالعملية السياسية التي يتضمنها هذا البيان تؤدي الى تشكيل حكومة سياسية ذات صلاحية تنفيذية كاملة لتسيير المرحلة الانتقالية ونقل السلطة في إطار زمني متفق عليه، وهو سنة واحدة. من اهم صلاحيات الحكومة المؤقتة تعيين لجنة دستورية تضع الدستور الذي يُعرض على الاستفتاء قبل الانتخابات. لقد رأى بعض المحللين ان الدبلوماسية الروسية تعاطت بهذه الطريقة المرنة لشعورها بأن الحرب التي يقودها النظام لا تؤدي الا الى المزيد من الخراب والدمار وهي، اي هذه الدبلوماسية، وصلت الى ابعد ما يمكن ان تفعله لمنع اي تدخل غربي في سوريا، وان الاستمرار في هذه الطريق سيؤدي الى الوقوع في مطب العزلة على الصعيدين العربي والدولي، هذا من جهة، ومن جهة ثانية يؤخذ على هذه الدبلوماسية ممارسة الدور المعطل للشرعية الدولية والدعم اللامحدود لنظام يستخدم اسلحتها لقتل مواطنيه.

الثاني: يقوم هذا المشروع على ان الادارة الاميركية، بعد ان قرر الرئيس اوباما التعاطي مع الملف السوري وبعد ان اطلت، هذه الادارة، على المسرح العربي من خلال اول زيارة يقوم بها وزير خارجيتها جون كيري الى المنطقة، تنوي اللجوء الى ترك حرب الاستنزاف دائرة ومشتعلة بين النظام السوري من جهة والجهاديين المتطرفين من جهة أخرى ليضعف الطرفان وتنهار قواتهما لدرجة كبيرة، عند ذلك تصبح الفرصة سانحة امام الإئتلاف الوطني السوري ليتسلم السلطة.

تبقى اشارة لا بد من ذكرها، في هذا السياق، الى ان اي مشروع اذا ما تم تنفيذه وتطبيقه ستجني فوائده احدى القوتين، الولايات المتحدة وروسيا، في حين ان معاناة الشعب ستزداد هولاً امام المزيد من القتل والتهجير والتدمير، وايضاً امام الحقد والكراهية والانقسام…

السفير

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى