صفحات العالم

ماذا تعني «القيادة المشتركة» الروسية – الإيرانية – السورية؟


محمد مشموشي *

لا شيء يدعو للشك في الوثائق السرية التي تنشرها قناة «العربية» حالياً حول النظام السوري وممارساته في الداخل السوري وفي الخارج، لكن واقعة «القيادة المشتركة» الروسية – الإيرانية – السورية التي تدير الحرب في سورية، حرب إبادة الشعب من أجل حماية النظام، تبقى الأهم والأكثر دلالة وخطورة من كل ما تكشفه هذه الوثائق.

قبل نشر هذه الوثائق، لم يكن خافياً على أحد تورط روسيا وإيران في هذه الحرب، لا سياسياً ولا عسكرياً ولا مالياً، لكن المفاجئ فعلاً هو وصول هذا التورط إلى درجة إنشاء قيادة مشتركة تقرر وتصدر الأوامر والتعليمات وربما حتى تشترك في التنفيذ. وبغض النظر عن مضمون الوثائق في ما يتعلق بالقرارات التي اتخذتها «القيادة المشتركة» هذه، سياسياً وأمنياً وعسكرياً، في سورية أو في خارجها، فمن السذاجة الظن بأن نظام الأسد كان يمكن أن يصمد ثمانية عشر شهراً حتى الآن، وأن يواصل تقتيل شعبه وتهجيره وتشريده وتدمير بلده من دون أن يرف له جفن، لو لم تـكن هـذه القيـادة مـوجودة وفاعلة بالصورة التي تبدو واضحة وجلية كل يوم تقريباً.

هذا لا يعفي الأسد من مسؤولياته الشخصية، السياسية والأمنية والأخلاقية، لكنه لا يقلل في الوقت ذاته من مسؤولية كل من الرئيس الروسي فلاديمير بوتين والمرشد الأعلى الإيراني السيد علي خامنئي عن إزهاق دم أكثر من ثلاثين ألف قتيل وثلاثمئة ألف جريح وتهجير حوالى ثلاثة ملايين من بيوتهم وقراهم، فضلاً عن تدمير بلد ووطن بالكامل.

أكثر من ذلك، فإذا كان الرئيس المفترض لهذا البلد لا يتصور نفسه للحظة خارج الحكم، ويعلن استعداده لعمل المستحيل من أجل البقاء في السلطة («الأسد أو لا أحد»، و «الأسد أو نحرق البلد») فليس مقبولاً على الإطلاق، ولا حتى مفهوماً، أن يتبنى قائدا بلدين آخرين (بوتين وخامنئي، في هذه الحال) موقفه هذا على علاته، وأن يشكلا معه قيادة عمليات مشتركة تكون مهمتها إحراق البلد فعلاً.

بل وأكثر، فإذا كانت هذه العمليات لا تقف عند حدود سورية بل تتجاوزها تارة إلى لبنان وأخرى إلى قطر وثالثة ربما إلى تركيا والأردن، وكانت في جلها أعمالاً أمنية واستخباراتية تستهدف تصدير أزمة النظام في سورية إلى خارجها، فلن يكون مبالغاً به توقع أن تكون «الشراكة» بين الأطراف الثلاثة أبعد مما يبدو عليه المشهد السوري في الفترة الحالية، لتشكل نوعاً من المحور الإقليمي والدولي المستعد لخوض حرب باردة واسعة على المستوى الدولي، أو حتى حرب ساخنة محدودة على ساحة المنطقة، إذا ما تدهور الموقف في سورية أكثر مما هو عليه الآن.

فهل هذا هو الوضع الفعلي بالمعنى الاستراتيجي الذي تتحدث عنه الأطراف الثلاثة، أم أنه يبقى في حدود ما يسمى «سياسة حافة الهاوية» التي تقف عند حدود إنقاذ النظام السوري، أو ما يمكن أن يبقى منه، فقط لا غير؟

في المواقف المعلنة لطهران، أن الحرب على سورية (الكونية، في رأي وزير خارجية سورية وليد المعلم) هي حرب على إيران، وأن القيـادة الإيـرانـيـة لن تسمح مهما كانت الحال بسقوط الجناح السوري في حلف المقاومة والممانعة، وأن لديها «مستشارين» سياسيين وعسكريين على الأرض السورية لمساعدة حكومتها على إحباط «المؤامرة الخارجية الجهنمية» التي تستهدفها.

وفي المواقف المعلنة لموسكو، أن الحال السورية الراهنة تمس الأمن في المنطقة كلها، وحتى في العالم، وأن تغيرها يتم فقط من خلال إصلاحات داخلية وعبر النظام نفسه، فضلاً عن أنها ترفض نهائياً تكرار تجربة مجلس الأمن في ليبيا وقد استخدمت حق النقض ثلاث مرات حتى الآن في هذا السياق، كما أنها تردد منذ بداية الثورة السورية (كما يفعل النظام نفسه وإيران) أن ما تشهده سورية هو «مؤامرة خارجية» تشترك فيها قوى دولية وعربية وأصوليات إسلامية.

هذا الالتقاء في المواقف، فضلاً عن المصالح بين الأطراف الثلاثة، قد يبرر فهم الكثير مما تقوم به روسيا وإيران لحماية النظام السوري ومنع سقوطه، لكنه لا يبرر بالتأكيد تشكيل قيادة عمليات مشتركة لا تفعل إلا أنها تدير حرب إبادة ضد الشعب السوري وتدمر بلده بالطريقة المنهجية التي يتم بها منذ ثمانية عشر شهراً حتى الآن.

وإذا كان نظام الأسد قد فقد كل شيء تقريباً، وتالياً الأمل في أن يستطيع حكم سورية بعد الآن، ولذلك فانه يخوض حربه الأخيرة على طريقة «يا قاتل يا مقتول»، فهل هذا هو وضع كل من بوتين وخامنئي أيضاً في ما يتعلق بسياساتهما الاستراتيجية في المنطقة وفي العالم؟

الواقع أن أسئلة كثيرة، وكبيرة، تطرح نفسها في هذه الحال، ليس حول المرحلة المقبلة في سورية فقط إنما حول شكل ومحتوى وأسلوب مقاربة الصراعات في منطقة الشرق الأوسط كلها، وربما على مساحة العالم أيضاً:

> هل يمكن أن نصل في يوم إلى «ربيع دمشق» الروسي– الإيراني، بأسلوب «ربيع براغ» السوفياتي، تحت اسم جديد هذه المرة يستبدل فيه «حلف وارسو» بما يطلق عليه حالياً اسم «محور المقاومة والممانعة» للغرب عموماً وللولايات المتحدة في شكل خاص؟

> هل يمكن أن تكون تحرشات جيش النظام السوري بتركيا، وحلف شمال الأطلسي، وتكرارها على مدى أسبوع حتى الآن، جزءاً من خطة قررتها «القيادة المشتركة» الروسية – الإيرانية – السورية لاختبار ردود فعل العالم الغربي؟، أم أنها تندرج فقط في خانة سياسة حافة الهاوية بهدف التفاوض حول مستقبل سورية والمنطقة؟

> هل يمكن تصور أن تنضم الصين إلى «القيادة المشتركة» هذه، بعد أن بدا حتى الآن أنها اكتفت، وتحديداً في ما يتعلق بالوضع في سورية، بالوقوف سياسياً وديبلوماسياً إلى جانب المحور المعادي للغرب وللولايات المتحدة؟، أم يكون لها موقف آخر حتى من النظام في سورية نفسه؟

> وأخيراً، هل هي الحرب فعلاً (الحرب الكونية، كما يقول نظام دمشق) بعد شهور لم يصدقه فيها أحد، وفي زمن لم يعد أحد يتصور كذلك أنها يمكن أن تنشب؟.

* كاتب وصحافي لبناني

الحياة

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى