ماذا عن الحديقة الخلفية لـ «داعش»؟/ نائل حريري
مع طنين الأجراس التي تعلن اقتراب نهاية العام 2015، تدق كذلك طبول الحرب من فيينا ضد كيان «داعش» الذي ما زال وليداً حديث العهد بالمعنى الزمني. من باريس إلى فيينا إلى الرياض، هناك جرس إنذار حرضته «زئبقية» ذاك التنظيم بالمفهوم الزماني والمكاني. فجأة ازداد تواتر الاحترازات الأمنية في أي زمان وأي مكان: مباراة توقف هنا، وحفل يلغى هناك… من دون أن يساهم ذلك بفعالية في منع هجماته الانتحارية التي لم تتوقف. فجأة اصطدم الإجماع على محاربته بالتساؤل عن مكان هذه الحرب وحدودها ووسائل ضمان نجاعتها.
لا شك أن الحرب الدولية ضد «داعش» في الشرق الأوسط خطوة لازمة، إلا أنها ما زالت تبحث في المكان الخاطئ. ربما أثارت تسمية «دولة الإسلام في العراق والشام» التي لفظها التنظيم في خطوة توسعية كبرى، بعض الأحكام السطحية المسبقة، فبدأ تصعيد تلو الآخر في سورية والعراق مع تدخل روسي في الأولى وتركي في الثانية.
وعلى رغم ذلك كله، ثمة نقطة مركزية لنشاط داعش لا فقط كبيئة لنمو وتوسع «الإرهاب الوليد» وحسب، بل أيضاً كمنفذ حقيقي من أوروبا وإليها. تبقى ليبيا الموقع المكشوف لنشاط داعش الذي لا يحاول حتى إخفاءه. يمرر داعش صفقات أسلحة عبر ليبيا إلى سورية والعراق، ويبرز بفصائله المشهورة ووجوهه الواضحة منذ إعلان وجوده في مدينة درنة أواسط 2014 حتى تحولت مدينة سرت إلى معقل رئيسي له.
منذ ذلك الوقت لم يتوقف التنظيم عن إيضاح رغبته بالسيطرة على ليبيا مع حصيلة تفوق أكثر من 52 هجوماً انتحارياً في ليبيا لداعش وحدها من أصل 62 هي حصيلة ليبيا من العام الذي لم ينقض بعد.
لا شك أن الحرب القائمة في ليبيا حتى الآن ستبقى موضع قوة التنظيم وقدرته على الحشد والتعبئة والبقاء، لا سيما أن «موقف مجلس الأمن الدولي واضح إزاء ممارسات داعش في سرت وهو رفض أي طلب لتسليح الجيش الليبي قبل تشكيل حكومة وفاق وطني حتى لو احتل تنظيم داعش كل ليبيا وقطع رؤوس جميع الليبيين»، اقتباساً عن إبراهيم الدباشي، المندوب الليبي الدائم في الأمم المتحدة.
لا بد أن المجتمع الدولي في طريقه للاستفاقة وتناول الملف الليبي بطريقة أكثر جدية، وربما يراوح في مكانه عدة أشهر متسائلاً عن جدوى الضربات الجوية أو ضرورة العمليات البرية. لكن إذا كان لنا أن نتخذ مما يحدث في سورية مقياساً، فالعملية السياسية، التي هي أنجع الحلول وأقربها، هي الخيار البعيد الملقى طي التجاهل والنسيان.
بين سلطة شرعية منتهية المدة وسلطات أمر واقع لا تزال مشغولة بمحاربتها، تستمر داعش بالازدهار في حديقتها الخلفية وتصدر منها إلى العالم أسلحة وانتحاريين، بينما العالم متعامٍ عنها ومشغول بمنتجاتها هنا وهناك، في فرنسا وبلجيكا والولايات المتحدة وتونس ومصر وسورية والعراق.
إذا كان ثمة من جدية في التعامل مع محاربة داعش كمشروع عالمي حقيقي، فلا بد من فهم طبيعة المشكلة في أصلها، وسبب توسع داعش في تلك المناطق التي تجر إلى حرب تلو الأخرى بلا دوافع للبقاء، بل بكل دافع آخر إلى إنهاء الحياة على مذبح أيديولوجيا عفنة تلتحف بغطاء مقدس. ثمة ضربة مسكنة هنا واستهداف تلطيفي هناك. بينما تزدهر الحديقة الخلفية لداعش، ويزدهر معها المناخ «التدعيشي» في الشرق الأوسط بأسره. يطحن الملايين في رحى حروب لا تنتهي وعنف يولد عنفاً يولد العنف، بينما يصمت السياسيون دهراً لينطقوا بآخر كلمات الكفر: «هيا إلى الحرب مجدداً».
* كاتب سوري.
الحياة