ماذا عن السلفية الجهادية في سوريا؟: فايز سارة
فايز ساره
يتخوف كثير من السوريين من صعود السلفية الجهادية في بلادهم، ويتوزع المتخوفون على الطرفين المتصارعين في البلاد، حيث يتفق بعض الموالين مع معارضين في تخوفهم من وجود الجماعات السلفية الجهادية وبعض ما تبثه من افكار، وما تقوم به من اعمال لا تخلو من اجبار واكراه واستخدام للقوة، ورسم مستقبل آخر للبلاد. وبالاجمال فان التخوفات المشتركة تشكل خرقا لقاعدة التناقض السوري الحاد بين الموالين والمعارضين، وهذا امر واقعي بغض النظر عن اسبابه ودوافعه.
ان السبب الرئيس للتخوف من السلفية الجهادية، يكمن في امرين اساسيين هما توجهاتها الفكرية والسياسية من جهة ونموها السريع المصحوب بالقوة من جهة اخرى. ذلك ان السلفية الجهادية، وان كانت موجودة في سوريا في العقود الاخيرة، فان وجودها كان محدوداً في العدد والانتشار، اضافة الى انها لم تكن قد اتجهت نحو التنظيم العلني والواسع ولم تكن اعلنت نزوعها الى استخدام السلاح، وهذه جميعاً تغيرت في العامين الاخيرين بحيث جعلت تلك الجماعات ذات وزن ملموس عسكرياً وسياسياً.
لقد اخذت السلفية الجهادية بالنمو السريع تحت ضغط اربع عوامل، اولها واهمها سياسة القتل والدمار التي يتابعها النظام ومؤسساته العسكرية الامنية في تعامله مع الحراك الشعبي، وشهدت سياسة النظام نمواً وتسارعاً كبيرين، نتج عنهما مقتل وجرح واعتقال وتهجير ملايين السوريين ممن اصابهم دمار شامل، وفي ظل فشل اي معالجة وحل سياسي للازمة، بدا من الطبيعي توجه قسم منهم لاستخدام السلاح، وهو ما ينسجم مع توجهات السلفية الجهادية واساليبها في العمل الامر الذي وفر اساساً موضوعياً لوجودها ونموها في البيئة السورية، التي لم تكن ميالة للعنف ولا لوجود ملموس فيها للجماعات الجهادية في السابق، قبل ان يتغير الامر.
والعامل الثاني، يمثله توافد قيادات وكوادر في الجماعات السلفية الجهادية من مناطق مختلفة الى سوريا، ولاسيما من دول الجوار بدعوى الانخراط في الجهاد مستغلين ما يقع من قتل ودمار، املين تحويل سوريا الى قاعدة للسلفية الجهادية، وقد كشفت تقارير استخبارية وصحافية معلومات عن تسلل مئات الجهاديين العرب والاجانب الى البلاد، وانخرط بعضهم في تأسيس النواة الصلبة لبعض تشكيلات للسلفية الجهادية ومنها جبهة النصرة لبلاد الشام.
وثمة عامل ثالث في وجود ونشاط السلفية الجهادية، اساسه ان من الصعب تحقيق ذلك لولا دعم رسمي من جانب اجهزة امنية لدول مختلفة ومتصارعة في المنطقة (ومن ضمنها الاجهزة السورية) رغم التناقض الظاهر في مواقفها حيال الثورة السورية من جهة وازاء السلفية الجهادية. ففي بعض الحالات كان دعم تلك الاجهزة هدفه التخلص من قيادات وكوادر الجماعات بدفعها الى سوريا على امل ان يتم القضاء عليها هناك، وفي احيان، جرى دعمها والسماح بمرورها لتعزيز قوة الصراع مع النظام على امل هزيمته، وجرى في اوقات معينة السكوت عنها وربما تقديم مساعدات غير مباشرة عبر السماح لها بالاستيلاء على اسلحة وذخائر تعزز مكانتها، وتجعلها اكثر قدرة في ان تكون قوة مقابلة ومنافسة لتشكيلات الجيش السوري الحر.
والعامل الرابع في تعزيز وجود ونشاط السلفية الجهادية، كان في التركيز الاعلامي والسياسي الذي احيطت به السلفية الجهادية. وفي المثال فان تصريحات مبكرة لمسؤولين غربيين حول حجم وقوة جبهة النصرة واخواتها، مما عزز وزن تلك الجماعات في وسط شعبي مستعد للتعلق بأي قوة على امل الخلاص من القتل والدمار المحيطين به، وقد جهدت وسائل الاعلام المختلفة وخاصة القنوات الفضائية في تناول الاخبار والتحليلات المتصلة بجماعات السلفية الجهادية في سوريا على سبيل السبق الاعلامي، لكن النتيجة كانت دعايات مجانية لهذه الجماعات.
وسط تلك العوامل والشروط، توفرت للسلفية الجهادية فرص مثالية لزيادة حجمها وقوتها عبر طريقين اولهما توسيع انتشارها ونفوذها في بيئة صارت حاضنة من جهة، والتمدد على حساب التشكيلات العسكرية التي سبقتها في الظهور، والتي غالباً ما كانت تعاني من ضعف في امكانيات التسليح والذخيرة وفي توفير اساسيات السلاح واللباس والغذاء لعناصرها، فيما توفرت امكانيات كبيرة لتشكيلات السلفية الجهادية وللتشكيلات الاسلامية، وتمكنت تلك التشكيلات بامكاناتها المادية الكبيرة من السيطرة او ابتلاع تشكيلات للجيش الحر وجماعات المتطوعين الصغيرة ذات الامكانيات المحدودة او السيطرة عليها عبر بوابة المساعدات.
واذا كانت خلاصة المسار العام للواقع السوري بمعطياته الحالية، تؤشر الى ان السلفية الجهادية، سوف تستمر في النمو والتوسع، فان ذلك يعني انها يمكن ان تصبح القوة السائدة في سوريا من الناحيتين السياسية والعسكرية، وهذا يؤشر الى ان المستقبل السوري سيكون لها، وهو امر ممكن ما لم تحدث تحولات في الواقع السوري وفي المحيط الاقليمي والدولي، تبدل البيئة المحيطة بنمو وتنامي الجماعات السلفية الجهادية، والتي يمكن رؤية اهم ملامحها في جملة خطوات ابرزها، دعم الاتجاهات الوطنية الديمقراطية في الحراك الشعبي من الناحيتين السياسية والعسكرية وفي مجال الاغاثة، مما يخلق قوة موازية من النواحي السياسية والاجتماعية والثقافية، وتقوية وتعزيز الخط الديمقراطي في حركة المعارضة السورية، بدلا للسيطرة التي تسعى اليها جماعات الاسلام السياسي على الشارع، والحد من التدخلات الاقليمية والدولية في الشؤون السورية، وبعضها يفتح مسارات لكادرات واموال سلفية، تتشارك في ارسالها للداخل السوري شخصيات وجماعات ودول، اضافة الى الضغط لتغيير مسارات الاعلام في التعامل مع الوضع السوري كله، ووقف حملات الدعم والمساندة المقصودة وغير المقصودة للسلفية الجهادية وجماعاتها.
ولاشك ان تغييرات في البيئة السورية، يتناول العناصر السابقة، سوف يبدل من المسار المستقبلي لسوريا، وبدل ان يكون المستقبل فيها للسلفية الجهادية الساعية لاقامة دولة اسلامية من مواصفات معينة، فان المستقبل سيكون لصالح الدولة الوطنية الديمقراطية، والتي مازال لها عناصر قوة كامنة في العمق السياسي والثقافي للمجتمع السوري من جهة، والتي رفعت ثورة السوريين منذ لحظاتها الاولى مطالبها بالحرية والكرامة والعدالة والمساواة.
المستقبل