ماذا يحدث على تخوم دمشق؟/ إياد الجعفري
فيما يبدو أن النظام يوجه مساعيه للسيطرة على محيط دمشق، صوب شرقها، ما تزال عُقد المناطقية، والمصالح التجارية المتضاربة، والاختلافات العقائدية، وخلافات الشرعيين، تنهش في علاقات الفصائل التي تسيطر على المنطقة المستهدفة.
في أيلول 2014، قال زهران علوش، مؤسس “جيش الإسلام”، وقائده السابق، في خطبة تلت صلاة الجمعة، “لن نسمح برأسين لجسد واحد في الغوطة”، متعهداً حسب وصفه، يومها، بأن “زمن التشرذم والفرقة التي عاشت بها الغوطة الشرقية لعدة أعوام بعد التحرير قد انتهى”.
بعد عام وبضعة أشهر من ذلك التاريخ، اغتيل زهران علوش، في ما قيل أنها غارة روسية. غاب مؤسس “جيش الإسلام”، تاركاً الأخير، الفصيل الأقوى، لكن ليس الوحيد، في الغوطة الشرقية بريف دمشق. لكن تلك المرتبة أصبحت في فترة قريبة من تاريخ رحيل علوش، مهددة بجدية، على يد فصيل قوي آخر في الغوطة، هو “فيلق الرحمن”.
ولم تتوحد الغوطة. واليوم، أصبحت أكبر معاقل المعارضة على تخوم دمشق، مهددة بجدية، من جانب النظام. لكن ذلك لم يكن كافياً لتوحيد فصائل الغوطة التي ازدادت قوةً، في ما بينها، وعلى بعضها، في حين خبت مقدراتها في مواجهة النظام، بصورة ملحوظة.
يتهم “جيش الإسلام”، “اللواء الأول”، بالخيانة. ويتهم “فيلق الرحمن”، المتحالف مع “اللواء الأول”، “جيش الإسلام” بالرغبة في التفرد بالسلطة. وما بين الفصائل المتناحرة، يبرز الشرعيون الذين ينهلون من معين مشترك، ليكفّروا بعضهم، أو في حدود أدنى، ليشككوا في إخلاص بعضهم البعض.
قبل أيام قليلة، أعلن “جيش الإسلام” عن عمل عسكري ضخم كان يعتزم القيام به صوب قلب العاصمة دمشق، لكن “اللواء الأول” التابع للجبهة الجنوبية، والذي يسيطر على حي برزة، بدمشق، عرقل العمل العسكري، حسب اتهامات لـ “جيش الإسلام”. وتبادل الفصيلان الاتهامات، ووصم مسؤولو “جيش الإسلام”، “اللواء الأول”، بالخيانة والعمالة لنظام الأسد.
مراقبون أرجعوا موقف “اللواء الأول” إلى عدم رغبة أهالي حي برزة في أن يكونوا هدفاً لانتقام النظام، بعد أن قرر “جيش الإسلام” استخدام مناطقهم كمدخل للعاصمة دمشق، دون أن يتشاور مسبقاً مع الفصيل المسيطر لديهم.
بعد أيام قليلة من المعركة الكلامية بين الفصيلين، شن نظام الأسد عملاً عسكرياً ضخماً، استهدف برزة في نقاط تماسها مع حرستا، في محاولة جديدة منه للفصل بين معاقل القوى المعارضة في المنطقة. وهكذا يستمر النظام في مخططه لعزل مناطق سيطرة المعارضة عن بعضها، وحصارها، إما عبر الهدن والمصالحات، أو عبر العمل العسكري. في الوقت نفسه، تستمر النزاعات بين الفصائل التي ترفع جميعها راية الإسلام، ومقاومة النظام، وتتعرض حواضنها الاجتماعية للحصار والاستهداف.
كيف نفسر هذه الحالة السريالية؟.. يعدد المتخصصون والمطلعون جملة أسباب للفرقة، والتنازع، بين فصائل شرق دمشق. تتقدم المناطقية، لتكون أول المسببات. فبعض الفصائل تضم أبناء بلدات بعينها، ويرفض أهالي تلك البلدات سيطرة فصيل آخر يضم أبناء بلدات مجاورة، على بلداتهم.
على خلفية المناطقية، تتعمق مسببات أخرى، منها المصالح التجارية. يذكر مطلعون بهذا الصدد حالة سريالية غريبة في الغوطة، تتمثل في شخصية، “أبو أيمن المنفوش”، وهو أحد كبار تجار الغوطة في مسرابا. يتمتع “المنفوش” بعلاقة متينة مع “فيلق الرحمن”، ويحابيهم في المعاملات التجارية، ويبيع مقاتليهم سلعاً بأسعار أرخص من المعتاد. لكنه في الوقت نفسه، يبيع سكان دوما، الخاضعة لـ “جي
في السياق نفسه، تظهر “فتح الشام”، “النصرة سابقاً”، في الصورة، تحت مسمى “جيش الفسطاط”. فالجبهة تحتكر بعض الأنفاق الحيوية، تحت الأرض، التي تصل الغوطة بالقابون. ومن هناك تمر بعض السلع الحيوية إلى المنطقة. وتتحكم “فتح الشام” بهذه الأنفاق. ويتهمها “جيش الإسلام” بالتضييق على باقي سكان الغوطة في المناطق الخاضعة لسيطرة “جيش الإسلام” عبر تلك الأنفاق.
تأتي الخلافات العقائدية لتجذّر مسببات النزاع بين فصائل شرق دمشق، أكثر. ففيما يتبع “جيش الإسلام” الخط الحنبلي – السلفي، يتبع “فيلق الرحمن” وفصائل أخرى في الغوطة، “المذهب الشافعي” أو “الحنبلي”، وفق النهج الصوفي، الشائع بين السكان هناك. لكن بطبيعة الحال، لا يشفع أتباع كل من “جيش الإسلام” و”جبهة فتح الشام”، للخط السلفي، في تحقيق فرصة التقاء بينهما. فـ “جيش الإسلام” يتبع “السلفية العلمية”، فيما تتبع “فتح الشام” “السلفية الجهادية”. وهنا يأتي دور الشرعيين. إذ يمكن أن تطلع على العديد من الفيديوهات عبر “يوتيوب”، يظهر فيها شرعيو فصائل الغوطة المتناحرة، يشكك كل منهم بإخلاص الآخر، في العقيدة والعمل.
في هذه الأثناء، يواصل النظام مساعيه لإحكام السيطرة على كامل محيط دمشق، والقضاء على معاقل المعارضة واحداً تلو الآخر. فيما تعجز الفصائل المستهدفة في شرق دمشق عن تحييد نزاعاتها البينية، في سبيل الدفاع عن معاقلها وحواضنها الاجتماعية المهددة بالتهجير، قبل فوات الأوان.
المدن