صفحات سورية

ماذا يحدث في سوريا؟…

نزار حموي
في مقال منشور في \”التحرير\” المصرية بعنوان \”سوريا.. نصف ثورة لا تكفي\” يوم الأربعاء 14 آذار، وردت العديد من المغالطات التي تبين ان كاتبي المقال قد أسسوا رؤيتهم على ما هو متداول في الإعلان الرسمي السوري وما يصل من فتات إلى الإعلام المصري.
يتبادر إلى الذهن عند قراءة العنوان بأن الثورة السورية قد توقفت ويتوجب على الثوار أن يعودوا إلى الشارع حتى يكملوا ثورتهم. غير أن المقصود غير ذلك تماما ويستند إلى أن نصف الشعب لا يشارك الثوار وبالتالي نحن أمام نصف ثورة. هذه الرؤية يكتنفها الخلل لأنها تستند إلى جهل مزدوج.
الجهل الأول يتمثل في عدم معرفة طبيعة الثورات. إن نسبة قليلة في المجتمع مسؤولة علن التغيير ولم يحدث في يوم أن مجتمعا كاملا قام بثورة. الثورة الفرنسية مثلا تعد ثورة كاملة مع العلم بأن واحدا في المائة فقط من المجتمع الفرنسي قد شارك فيها فعليا. كذلك الثورة الروسية شارك فيها ستة في المائة من المجتمع الروسي، في الثورة الإيرانية ثمانية في المائة من المجتمع، اثنا عشر في المائة من المجتمع التونسي، خمس عشر من المجتمع المصري. من السذاجة أن نقول بأن الثورة المصرية مثلا ربع ثورة لأن ثلاثة أرباع الشعب لم يشاركوا فيها! الثورة باستمراريتها وثوار سوريا لم يعودوا بعد لا إلى البيت ولا إلى المقاهي، لا زالوا يصارعون ليبقوا في الشارع. أما نجاح الثورة وكمالها فرهين باستمرارها ونتائجها وتحقيق أهدافها.
الجهل الثاني يتعلق بعدم معرفة ما يجري على الأرض. ورد في التقرير تحت تصنيف \”مدن لم تطرق الثورة أبوابها\” ذكر ست مدن وهي طرطوس والقنيطرة والسويداء والرقة ودمشق وحلب والغريب في الأمر أن هذه المدن شاركت وتشارك بالثورة وإن بدرجات مختلفة وبصورة أقل من المدن المشتعلة كحمص ودرعا وإدلب. يكفي متابعة الأخبار على أي قناة يتوفر لديها الحد الأدنى من المصداقية حتى نرى ذلك واضحا. على كل حال، سجلت أول مظاهرة في الثورة في دمشق ووصلت إلى كل معظم أجزائها وفيها أكثر من ثمانية أحياء مشتعلة والتي تتظاهر يوميا وهنالك أحياء تشارك بمظاهرات أقل وليس في العاصمة من الأحياء الهادئة إلا عدة أحياء. كذلك حلب تشهد مظاهرات بصورة متواصلة في معظم أحيائها. لا ننس الرقة التي صنفت في الأسبوع الماضي واحدة من المدن المشتعلة. وكانت حركات الاحتجاج قليلة نسبيا في السويداء وطرطوس ولكنها لم تتوقف منذ البدايات.
النظام يعلم جيدا بأنه سيسقط بمجرد نجاح اعتصام واحد. لذلك فقد ركز قبضته الأمنية على دمشق وعلى حلب، أكبر مدينتين بعدد السكان وجزأ هاتين المدينتين إلى أجزاء صغيرة واتبع خطة بحيث يحبط أي مظاهرة قبل أن تبدأ فأبقى على كثافة أمنية بصفة متواصلة في الشوارع وفي أماكن التجمع كالمقاهي وغيرها وقد تمركزت دباباته في العديد من الساحات الأساسية فصارت إمكانية تجميع عدة أشخاص للخروج في مظاهرة شبه معدومة إلا في الجوامع. لقد حاول الثوار الاعتصام في العديد من المرات في إحدى ساحات دمشق وحلب ولكنهم فشلوا حتى في الوصول إليها وقد ارتكبت قوات الأمن مجازر عديدة للحؤول دون نجاح اعتصام مثل مجزرة ساحة العباسيين في اللحظة التي كان الثوار في طريقهم إليها. في حين أن ثوار حمص قد نجحوا فعلا في التجمع في ساحة الساعة وسقط حوالي 400 شهيد في ليل 18 نيسان وحدثت مجازر شبيهة في درعا وحماه ودير الزور وغيرها وارتكب النظام مجازر لفض هذه الاعتصامات. ويمكن للقارئ الكريم أن يتخيل كم هو صعب التجول في المدينة والانتقال من حي إلى آخر. هذا ما يفسر كثرة عدد المظاهرات وانتشارها حتى في المدينة الواحدة.
أن تتظاهر في سوريا شيء وأن تتظاهر في أي مكان آخر شيء مختلف كليا. المتظاهر السوري يخرج وهو يعي تماما بوجود قناصة وإطلاق نار قد يرديه قتيلا. إنه يعلم علم اليقين أنه يواجه سلطة في غاية البشاعة والقذارة، في غاية التوحش. يكفي المواطن أن يرى ما حدث في درعا وبانياس واللاذقية وتلكلخ من قتل وتنكيل بمواطنيه حتى يخاف ويتراجع. مع ذلك، يخرج، يخرج ليعلن تضامنه مع الضحايا من أبناء وطنه ومع المدن المنكوبة.
\”يا حمص نحنا معاكي للموت\” المتظاهر يعي بالمطلق ما يقول وهو مستعد فعلا للتضحية بنفسه من أجل مدينة، ربما لم يزرها في حياته ولكنها جزء من وطن يولد وتعتمد هذه الولادة على تضحيته. هذا الموقف يشكل لبعض الأفراد نوعا من الحماقة، فهنالك من لا يستطيع أن يقف هذا الموقف وذلك طبيعي. لا تستطيع أن تطلب من الجميع أن يكونوا أبطالا ومن المستحيل أن يكون جميع أفراد المجتمع من الأبطال. من الخطأ أن نقول والحال هذه إن من لا يشارك في الثورة مؤيد لسلطة القتل! خطأ فادح. الخروج يحتاج إلى قرار وجودي ونهائي يحتاج إلى أكثر من بطولة وأكثر من شجاعة ولا يمكن بحال أن نلوم من لا يخرج في هذه الشروط.
مضى عام على ثورتنا. الثورة تتجدد. أعداد الثوار تتزايد وتشهد سوريا وإن ببطء دخول أحياء ومناطق جديدة في دائرة الضوء. من الصعوبة إيجاد إصرار وتصميم كهذا. لا زالت سلطة الاحتلال الأسدي تقصف مدننا وترتكب الجرائم بحقنا وتجزء وطننا وتقطع أوصالنا وتعزلنا عن بعضنا. لا زلنا عاجزين عن أن نتجمع بأعداد كبيرة في ساحة واحدة، لكننا لم نتوقف وسنواصل التفكير والتخطيط للاعتصام ولسوف نسقط النظام.

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى