ماذا يرسم الأطفال/ عباس بيضون
ماذا يرسم الأطفال في سوريا إن بقيت لديهم رغبة في الرسم، الأرجح أنهم ينضجون بسرعة، يقفزون فوق الطفولة. يغدو الأهم بالنسبة لهم أن يجدوا الخبز والطعام. يغدون هكذا كباراً يسعون فقط وراء حاجاتهم الأولية، ربما يغدون في هذه السن جنوداً، تكبر ألعابهم معهم. تغدو بسلاح حقيقي وعلى بشر حقيقيين. لنفكر في تلك الأعوام التي تنقضي بلا طفولة. حيث كل الناس يرشدون ما أن يخرجوا إلى العالم. حيث العالم لا يعود مكاناً للعب. حيث الحقائق الآمرة، الحاجات الآمرة، هي نفسها بالنسبة للجميع. الكبار أنفسهم يسعون وراء الخبز والماء والطعام. لا وقت ليفكروا. سنوات تمضي هكذا، لا نعرف كم يبلغ عددها. ربما لا زلنا في أولها. ربما تطول، حيث الحياة تغدو عبئاً. تغدو فقط مجرد مهنة يومية، تختزل إلى وجبات تقل أم تزيد. وجبات والتفكير في الوجبات وانتظار الوجبات والبحث عن الوجبات. لا مجال بعد للعب وبالطبع لا مجال للرسم فالأطفال يتجاوزون سنهم، يتجاوزون الطفولة، ربما لا يبلغونها على الإطلاق.
مع ذلك يمكننا أن نفترض معرضاً للأطفال السوريين. انه افتراض فحسب، الغريب انه قد يتحقق، يبقى لدى الأطفال، حتى الذين يتسولون منهم، حتى الذين يجوعون بشدة، تلك الحاجة إلى اللعب، اللعب بأي شيء. لنقل إن الواقع السوري لا يقدم كثيراً من الخيارات. في حلب المقسومة إلى جزءين، واحد تحت سلطة النظام وواحد تحت سلطة المعارضة، ماذا امام الأطفال السوريين ليروه. بيوت مدمرة، كثير من الأحجار كثير من التراب على الأرض وغرف مبقورة وشرفات متهاوية. بدلاً من تلك الحياة المحبوسة في شقق، هناك الحياة المفرغة على الأرض. البنايات التي تتقيأ الحياة التي حفظتها أجيالاً. ليست البنايات وحدها هناك القتلى. أطفال في طراوة الغصن يغلقون وجوههم التفاحية ويلقون بكل نضارتها على الأرض. هناك القتلى، أشخاص تحطمت وجوههم وأجسادهم وانطرحوا بكل دمائهم. لن يكون الموت هكذا فكرة، سيكون مشهداً يغزو العين. مشهداً في قوة الحياة بل يتعدى قوتها. هل سيرسم الأطفال بالدم، بالدم الحقيقي أو المتخيل لكن بخيال دموي. ستسيل دماؤهم على الورقة، على الصفحات سيرسمون دماءهم التي ما زالت محبوسة في عروقهم. لكن فرق دقيقة فحسب، فرق برق فحسب، فرق دوي فحسب، بين أن تكون الدماء في العروق وبين أن تكون ساحت على الأرض.
السفير