ماذا يعني طرد السفير السوري؟/ موناليزا فريحة
لم تحجب الحفاوة الشعبية التي استقبل بها البابا فرنسيس في الاردن الغياب الكبير لسوريا. بين الرايات والاعلام التي رفرفت عاليا لاستقبال رسول السلام، كان العلم السوري الغائب الاكبر. الاتون من الاردن ولبنان والعراق ومصر وكردستان، كما الواصلون من أميركا اللاتينية والهند وغيرهما، حملوا اعلام بلادهم وحيوا بها البابا. وحدهم السوريون ، وهم على الارجح من اللاجئين الى الاردن، أتوا بلا أعلام. لم يكن هناك أثر لعلم سوري في القداس خصوصا، لا علم النظام ولا علم الثورة. كانت دمشق وحمص وحلب ومعلولا في عيون كثيرين وقلوبهم، وكانت “سوريا الحبيبة” في بال البابا وقلبه، الا أن علمها “احتجب” ربما في انتظار أن يصير العلمان علما واحدا ويعود المتقاتلون شعبا واحدا.
لا شك في أن هذه المفارقة هي انعكاس للسياسة الحذرة التي يعتمدها الاردن حيال الحرب السورية. فقد سعت عمان دائما إلى الحفاظ على شعرة معاوية مع دمشق، لأسباب ترتبط بحساسيات داخلية اضافة الى القرب الجغرافي بين البلدين. فلئن كان الدعم اللوجيستي الذي توفره السلطات للمعارضة السورية المعتدلة واضحا، اضافة الى استقبالها نحو مليون لاجئ سوري، كان السفير السوري في عمان بهجت سليمان حتى الاثنين يزاول نشاطه وينتقد السياسة الاردنية في وسائل الاعلام ومواقع التواصل الاجتماعي. وليس طرده أخيرا قبل أسبوع من الانتخابات الرئاسية الا دليلا على تجاوزه الخطوط الحمر التي رسمها الاردن لفريقي النزاع.
تطول لائحة مآخذ السلطات الاردنية على السفير بهجت سليمان، من عدم التزامه المتكرر أسس العمل الديبلوماسي، وتصريحاته على الأراضي الاردنية. وهي تأخذ عليه خصوصاً رفضه الحضور إلى وزارة الخارجية لدى استدعائه لاستنكار قصف سوري للأراضي الأردنية بحجة أنه “معطِّل” (في اجازة)، الى تطاوله على نواب أردنيين وصولاً الى بيان “غير مألوف” للسفارة مفاده أنها لم تطلب من الحكومة الأردنية السماح بالانتخابات الرئاسية في مقر السفارة، ذلك أن هذا الأمر هو “حق سيادي” لسوريا. وفي آخر تصريح له، شن هجوما لاذعا على ما وصفه بخطط لاقامة “حزام أمني” على الحدود الجنوبية لسوريا، كمقدمة لشن حرب على دمشق بقيادة “العم سام وأذنابه”.
ليس مهما ما اذا كانت هذه الأزمة الديبلوماسية على اجراء الانتخابات الرئاسية السورية في الاردن. فانتخابات تجرى في بلاد مقطعة الاوصال وملايين من شعبها مهجرون أو لاجئون، ليست انتخابات أصلاً. وحتى الان، لا تبدو عمان مصممة على اقفال السفارة السورية. فثمة مصالح مشتركة بين البلدين، وأكثر من مليون سوري يقيمون في الاردن، الا أن خطوة كهذه قد تكتسب أهميتها من حيث توجيهها رسالة واضحة الى النظام بان سياسات له على نسق تصرفات سفيره غير مقبولة، وأن تجديد الرئيس السوري لنفسه لا يعطي نظامه الحق في التطاول على أحد.